المحطة التي توقف فيها القطار بعد ثلاث ساعات جري سريع من واشنطن الي نيويورك وانتظار ثوان معدودات في محطات متوالية لمدن وولايات، هي محطة كبرى تتربع على شارع رئيسي في حي مانهاتنبمدينة نيويورك، تنتبه وأنت تخطو الخطوة الأولى خارجها أنك في مكان مختلف، جزيرة اشتراها أو في الحقيقة بادلها المستوطنون الهولنديون مع قبيلة الجونغيان، سكانالبلاد الأصليون ببضاعة سعرها في ذاكالوقت خمس وعشرون دولاراً، قالها المرشد السياحي واضحة، خلت لم أستوعب ما قال فرجوت تكرار القول فأكدها واضحة خمس وعشرون، فتبادر الى ذهني بشاعة الاستعمار أي كان، وسذاجة القبيلة أينما تكون. جزيرةٌ أنشأوهاأولئك المستوطنون مركزاً تجارياً،أسموها أمستردام الجديده تيمناً بعاصمتهم أمستردام، حتى غزاهمالبريطانيون عام ١٦٦٤ فأعادوا تسميتها يورك الجديدة على اسم أخو الملك دوق يورك، هكذا هو الانسان يتحرك وفي داخله رمز يسعى لإكباره في العقل المهووس بالرموز.

وتنتبه أيضاً الى كثر الماشين على أرصفتها وزحام تتدافع في ذروته أجساد السواح والموظفين وأهل المدينة المقيمين. تذهب عيناك بعيداً الى ناطحة سحاب، فتجد أنك تتابع ناطحة ثانية وثالثة، وتجد رأسكمرفوعاًالى الأعلى، تعيده الى وضعه الطبيعي عندما تصطدم بجسد أحد من الماشين.

وتنتبه كذلك الى قلة النظافة في هذه المدينة وضيق شوارعها بالمقارنة الى مدن أخرى في هذه الولاية وباقي الولايات، والى تصميم جعلها مربعات (بلوكات) عندما تتأملها لا تجد في هندستها جمال، كأنها حضارة بناء كونكريتي لا نبض فيها ولا روح حياة.

يتابع المرشد سرده بثقة عالية وفهم جيد لمعالم المدينة والتاريخ فيقول ان ولاية نيويورك من بين الولايات الثلاثة عشر التي أسست الاتحادوصارت عاصمة له حتى العام ١٧٩٠، تقع على الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي، هي في الأصل ميناء اشتهر باستقبال المهاجرين، واشتهر بتمثال الحرية الذي أهداه الفرنسيون لها، فوضعته على جزيرة صغيرة عند فم الخليج كأن صاحبته تنظر من فوق موقعها المشرف الى المحيط، تستقبل المهاجرين المضطهدين حال وصولهم هذاالعالم الجديد، تمنحهمالأمل في حياة أخرى من جديد.

نيويورك المدينة مكتظة بسكان يصل عددهم الى أكثر من ثمان ملايين، وبسواح من كل الأجناس أغلبهم كنديون يأتون الولاية في عطلة نهاية الاسبوع لمجاورة دولتهم هذه الولاية التي يقصدونها متعة وقضاء وقت ومنها يتبضعون.معروفة بالصخب يقال أنها لا تنام وهي فعلاً لا تنام، حسبوها عاصمة اقتصادية للبلاد، فيها المال والتجارة،وشركات عالمية متعددة الجنسيات وبنوك ومؤسسات اعلام مشهورة مثل النيويورك تايمز،والفوكس نيوز، ورويتر وبلومبيرغوغيرها كثير، حتى عدّها الساسة وأهل المال العاصمة الثقافية والاقتصادية والاعلامية للعالم أجمع.

ينفتح المكان، يتسع الشارع، يؤشر المرشد بيده الى بناية الأمم المتحدة التي يسهم شكلها وما حولها من وسع في اضافة مسحة جمال هندسية تعدل قليلاً من تلك النظرة السابقة، يوحي بان الفرصة مناسبة لالتقاط صور لمنطقة عالمية لا تخضع الى القوانين الأمريكية، أرضها في الأصل تبرع بها هبةً الملياردير روكفلر حفظه الله ورعاه، تطل واجهتها على شارع رئيسي ولها واجهة على النهر الشرقي، تحيط بها حدائق غناءمزيّنة بتماثيل قدمت هدايا من الدول الممثلة.  

عادالمشرف بحافلته المكيفة الى تلك الشوارع المتعامدة ذات الاتجاه الواحد، وقف في المقدمة أكد أن أغلب الشوارع مقيدة في السير باتجاه واحد، تقطعهاوتتقاطع على ناصياتهاثلاثة عشر ألف وخمسمائة سيارة أجرة صفراء، الملاحظ عليها صغر حجمها عن تلك السيارات التي شاهدتها عام ١٩٨٤ عندما كانت ضخمة ومن ماركات أمريكية من شركة فورد وجنرال موتورز، فأصبحت اليوم أصغر حجماً وبماركات أغلبها تويوتا اليابانية، وأكثر استخداماً للمنبه (الهورن) من باقي الولايات.

توقف قليلاً ثم أكمل القول نيويورك اليوم أأمن من الماضي، الجريمة فيها انخفضت وزاد عدد الشرطة حتى تجاوز السبع وثلاثين ألف شرطي، وأضعاف هذا الرقم من الكاميرات. وكذلك قالها قد وصلنا الفندق وانتهى اليوم،تذكرت أغنية وأنا لم أطرب يوماً على أغنية، وقلت بصوت مسموع (يا حريمه) قال ماذا تقصد.

كررت القول يا حريمة!. فلم يفهم ما أقصد وكذلك الموجودون.

نيو يورك ٢٠/٧/٢٠١٧