العالم صغير أو قرية كما يقولون، سكن ركنها البعيد صديق، وركنها الآخر، دخل من بابه الخلفي صديق، أختزل عقدين من فراق السنين، قال لا أملك وقتاً إلا سويعات نقضيها تجوالاً في شوارع العاصمة واشنطن،نتناول الفطور في مطعم ليس بعيد.

وقف على حافة النهر الفاصل بين ولايتين تَغَنّى بموج خفيف يحرك قارباً يستقله شاب من وقع حركته تُخَمِن انه رياضي كبير.

قال انظر،هل ترى فرقاً في طبيعة هذا المكان، مثلث تلتقي عنده ولايتي فرجينيا والميريلاند بالعاصمة واشنطن، أمتار تفصل دون نزاع، مساكن ومحال تجاريةتتجاور بالأمتار بلا جدال، قوانينها مختلفة وضرائبهاكذلكمختلفة والأسعار، مشاعر الناس يوحدها علمٌ يُرفع في كل مكان، لا يختلفون على تاريخ مرَ،ولا عن أصول منها أتو، ولا عن زمان طوته حوافر خيل.واستمر في القول مثل معلم يلقن طلابه درساً في الجغرافيا، الميريلاند مشهورة بجراد البحر، لها علمها وشعارها الخاص، لها ميناء هو الأكبر على المحيط الأطلسي، يسكنها ستة ملايين ترتيبها الثالث على الولايات المتحدة من حيث الدخل السنوي للفرد، أما فرجينيا يا صديقي فهي ولاية الرؤساء، أعطت لأمريكا ثمان رؤساء، سكانها ثمانية ملايين، تقع على أرضها بناية البنتاغون والمخابرات المركزية، فيها ست وثلاثون محطة تلفزيون وسبعمائة وعشرون محطة راديو.

توقف فجأة عن الكلام، ثم عاوده شاكياً غربة مشاعر وبنت تقترب من سني المراهقة، وتفكير بالعود الى بلاد العرب، ضماناًلنشأتهانشأةً تقترب من آباءه والأجداد، قلت شكواك أو قلقك شك في إسلامك وبغض لآدمية البنات، والمراهقة سلوك سيصاحبها هنا أو هناك، والخشية من خطأ يحصل، يمكن أن يحصل هنا ويحصل قريباً من بيت المقدس هناك، دعك من شكك نافذ ومعالم وسواس وعش بقِيَّمِكَكما هو المكان،وان خرجت من هذا العالم سيصاحبك الشك أينما تكون فيجعلكَ تعيساً كل الأوقات.

وقع الزمن يمضي،واليوم هو الأخير في واشنطن.النية معقودة صوب الولاية الأكثر صخباً وازدحاماً، نيويورك عاصمة الضخامة والسياسة والمال. القطار وسيلة مناسبة لمن يهوى الطبيعة وان كانت تذكرته لا تقل مستوى عن تذاكر الطيران، بدأت الرحلة صباحاً في المحطة الاتحادية(Union station)، محطة افتتحت عام ١٩٠٧، كأن حالها بناية قد اكتملت بالأمس، تلتقي عند ارصفتها القطارات القادمة من باقي الولايات، يمر منها خمسة ملايين مسافر سنوياً، ترتبط في اعماقها شبكة المترو بخطوطها المتعددة، ذكر المؤرخون عن زمانها، وكتبوا لقد سجل المرور منها رقماً إبان الحرب العالمية الثانية، مائتي ألف مسافر في اليوم، مداخلها عدة، بناؤها حجر، داخلها أقواس ولوحات تؤشر الحركة والوقت، تفضي الى أرصفة قطارات تزيد عن العشرين، قطار يشرع ذاهباً وبديله يدخل آتياً، خلية نحل لا تعد وسطها القطارات، ولا يحصى في بواباتها المسافرون آلاف.

انطلق القطار في الدقيقة العاشرة بعد الثامنه هادئاً، سار بطيئاً باحترام شديد حتى مسك السكة واثقاً فتضاعفت سرعته.من حوله شمس الصباح مشرقة تغطيها غيوم خفيفة بين الحين والآخر، مر بحقول خضراء، سار وسط غابات، اجتاز انهاراً وبحيرات، توقف في ولاية ميرلاند وديلاوير وبنسلفانيا ونيو جرسي، ليستقر واقفاً في محطة بنسلفانيا التي أخدت لها مكاناً في منهاتن من مدينة نيويورك،مدينة لها في الحضارة البشرية وقع خاص.

واشنطن٢٠/٧/٢٠١٧