وقف عند قوس النصروسط باريس مزهواً، يدقق في المكتوب على الجدران، سأل كيف تُخلدُ الشعوب كبارها والأحداث، أجابه عابر سبيل لاحظ النقش في التاريخ واسماء جنرالات قادوا معاركفاصلة رفعوا فيها علمفرنسا، والى جانبهم آخر قُتلَ في معركة ليبقي العلم مرفوع، وبين جنرال قاتَلَ وجندي قتل،شعلة نار ترمز الى أرواح بقت خالدة، وأكاليل ورد تعزز أجواء الخلود.

قال وهو قريب من نار الخلود أين شهداء لنا مازالوا يتساقطون.

رد صوت من بعيد إن الخلود عندنا لمسؤولين أحياء.

نصرٌ أو قوسَ نصرٍ تلف حوله السيارات، منه واليه أربعة عشر شارعاً بعمارات لا تعلوه ارتفاعاً،سائقٌ وركاب حوله يطوفون، يعلون الشأن وطناً مجيد، لا يقصدون الحج وليس اليه يرومون فهم قد تركوا طقوس الحج من زمن بعيد.

من صممه، ومن خطط ساحته، أراد لدورانهومرام الحج أداء التحيةهمساً لأولئك القادة وبعض رجال عظام نقشت أسمائهم على جدرانه من الداخل.

يبطئ الجميع حركته التزاماً بقوانين السير، أو محاكاة عربات كانت تمر زمن الامبراطوروجنود مدججونبسلاح كان يومها سيفاً مسلول وبندقية طول سبطانتها متر أو أكثر بقليل، كانوا يستعرضون يوم النصر،صباح الرابع عشر من تموز وما زالوا يستعرضون.

منوسط النصب يخرج الشانزليزيه، شارعهو باريس وباريس هي شارعالشانزليزيه،على أرصفةله تمتد عرضاً يزيدعن الثلاثينمتراً مقاه يؤمها سواح، وأخرى يتردد على طاولاتها أدباء وفنانين ورجال دعارة مشهورين، عليها وضعوا أوراقهم كتبوا ألفوا أشهر الروايات، مضيئ هذا الشارع بمصابيح تقربه من النهارونشرات زينة وأشجار وسطه لُفَتْ حولها نشرات ومصابيح، جعلته معلماً لباريس يُعَبرُ عن طبيعتهامدينة نور، وثقافة وحبور جلها فنون.

قال الدليل هنا مسرحٌ،الحجز لمقعد فيه يحتاج شهور،وهناك في القريب مسرح حجزه في الحال،أشهرها الليدو بعروضه الفنية تقنية عصر ليس لها مثال.

مفتوح هذا الشارع عريض مثل شوارع أخرى في عموم باريس، خُططَ لها وأعيدَ بنائها بعد تهديمما قبلها حال عبور عصور صنفت وسطى، وُضَعوالحيطانها حجراً وكسوا بعض شوارعها حجراً، ليبقوها عمداً عملاق كونٍ لا تخدشه السنين أو فتاةٍغضٌ جسمها لا يشيخ، باريس لا تشيخ شوهدت قبل ثلاثين عاماً ناضجة وشوهدت أخرى قبل عشرمتوردة خدودها وشوهدت اليوم ندية مثل غصن البان، وضعوابناتها العظماء وزاد من بعدهمعظماءفي الركن تمثال قائد مشهور، ووسط الساحة تمثال فنان معروف وهناك في الواجهةلوحة نقشت عليها تماثيل شخوص لواقعة مشهورة وفي أعلى باب البناية تمثال امرأة نصفها الأعلى مكشوف، وفي الأخرى تمثال رجل نصفه الأسف مكشوف، هم من جيل جعلوا المرأة إله حب، يقابلهارجل إله إخصاب، كي يتعادلان في الألوهية ودوام الحال، وجعلوا من باريس متحف مفتوح  قبلة سياح، تقول نشرات السياحة والمال أن زائريها بلغوا في العام ٢٠١٦ تسع وثمانين مليون هو الأعلى في العالم ويخططون الى المزيد.

سأل صاحبي عن المزيد قال الراوي لغة انجليزية يتكلمها الجيل الجديد، قطارات تحت الارض تمتد مائتي كيلومتر، وعدة مطارات وانفتاح مكشوف وتسهيلات وابتسامة صباح.

قال كف عن الكلام فالوقت يمضي هذه ساحة الكونكورد، هنا نصبت مقصلة وقطع رأس الامبراطور وزوجته ماري انطوانيت يوم كانت لا تعي في الأمر شيئاً، فاقترحت توزيع الكيك على جياع يتظاهرون.

الفرنسيون توقفوا عند ذاك التاريخ، أوقفوا الاعدام انتقدوا انفعال الثوار وخشونة الرعاع، اتجهوا الى الاستكشاف وادارة نصف العالم يومأضحوا بعد حرب عظمى،دولة عظمى، واتجهوا أيضاً الى العلم والأدب وفنون الحياة، خلفوا من ذاك التاريخ الى هذا اليوم على رصيف الشارع المحاذي للسين أكشاك مكتبات، مئات الأكشاك تعرض كتباً قديمة وأخرى مستعملة ومجلات، ليديموا النهضة والحياة.

هم أصحاب ذوق رفيع ومجاملة وخلق رفيع، بهم ارتبطت عروض الأزياء، وماركات العطور، وفلسفة في استعمار الشعوب خاصتهم، يريدونها ثقافة فرنسية وأقوام تفكر بالفرنسية وتحلم كذلة بالفرنسية، وهذا كان وسيبقى من بينأعمال المستحيل.

١٤/١١/٢٠١٧