قلتُ حلَ الصبح وبدأ اليوم جديداً، عَلَنّا نبدأ الرحلة صوب المكان الذي اتفقنا عليه بحراً تغرق فيه الهموم.

قالت لم التبكير وهل تريد زيادة الهم هماً لرغبة في الاستعجال أولمجرد إصدار الأوامر في دورة حياة بدأت في ثكنات العسكر لا تُريدَ تقطيع أوصالها وإن تلاشت الثكنات. قولٌ يلزم السامع بالتوقف عنده فالديمقراطية وثقافة التعامل تقتضي التوقف والاتفاق،فكانت النتيجةوقتاً للانطلاق ليس قبل الشروق ولا بعد انتصاف النهار.وقتٌتترك فيه لندن المكتظة بالناس والمحال التجارية والمصارف وزحام السيارات، لتدخل من بوابة لها واسعة مفتوحة الى عالم آخر مختلف تماماً، عالم الريف الذي تتدرج فيه الخضرة حدوداً تجبرك على التدقيق فيها بكل خطوة تخطوها لتشاهد الفروق باللون نسباً تبهر الناظر من قريب لشبه فيها من بساط جميل حاكته أنامل حسان.

في هذا الريف تأخذك السيارة بعيداً، تدخلك شوارع ضيقة مسيجة في غالب الأحيان بأشجار ونباتات تتشابك في الأعلى، تسمح لأشعة الشمس التي تظهر خجولة بأن تتسلل منكسرة فتجعل منها بعض قطرات المياه العالقة على أغصان الشجر قوس قزح متعدد الألوان فتحس لحظتها وكأنك تسير في غابة استوائية، كلما سرت فيها أكثر كلما ضاق الطريق أكثر حتىتلزم بعض أجزاءهالسائق القادم بالتوقف عند فجوات أعدت لغرض التوقف انتظاراً لاجتيازك أنت الذاهب فيكمل من بعدك القادم سيره على الطريق.

لكن الطبيعة في هذا الريف تلزم المسافر سائحاً أن يتوقف عند بحيرة تنبت حولها أشجار أجملها تلك القريبة من شجرة الصفصاف وأغصانها التي تتدلى متمايلة بفعل الريح مثل راقصة شرقية في عز الشباب، ولون مياههاالخليط بين الأزرق والأخضر، لابد أن يتوقفليمتع نظره بهذه الغرابة الفريدة، ولابد أن يترك سيارته في أعلى قمة جبل ليزيد من متعة النظر بتعرجات وادٍ يمتد بعيداً تقطع أوصاله سواقٍ وبيوت متفرقة وبعض قلاع قديمة.

في هذا الريف لا تنقطع الخضرة ولن يختفي الطير ولا تهدأ الريح ولم يتوارى الشجر، غابات بعمر الحضارة أقتطع الانسان مساحات من أشجارها لينشأ حقول. آلاف من حقول القمح والذرة لا ترى فيها فلاح يعمل، وآلاف مثلها مراع للبقر والغنم لا ترى فيها راع يرعى، ولا حيوان تاه عن مجموعته ولا بقرة سرقت أو شاة ذبحت وعلق لحمها على سنارات قريباً من الشارع العام.حيوانات هذه المراعيتعودت الخروج من حضائرها صباحاً لتعود وقت المساء.

في هذا الريف ينفتح الشارع فجأة فتظهر قرية في الواجهة أهلها أصحاب المراعي والحقول وبعض من المتقاعدين الهاربين من صخب المدينة، وفرت لهم الدولة كل شيء حتى لم يفكر أحدا بترك مكانه الا للتجوال مشياً أو ركوباً على الأحصنة أو الدراجات.

ساعتان هو الوقت الافتراضي للوصول صار ثلاثة بحكم البطء المقصود في السير من أجل التمتع بطبيعة الريف حتى ظهرت المدينة المقصودة ويموث (Weymouth) ولاح البحر والأمل في إغراق بعض من الهموم.

٢٣/٦/٢٠١٧