حل السبت ثقيلاً على هذه البلدة التي تحكم العالم،كَسِلَ الفعلُ في ساعات الصباحوتعطل الأداء إلا من سواح لا يهدؤون،ومتفرقة يعيشون على نشاط أولئك السواح.خف السير في الشوارع وقل عدد السيارات، أشّار الواقف في باب الفندق الى حافلة في الانتظار ومرشد يعي واجبه جيداً أصله عربي، دخل شارعاً عريضاًقال انظروا جل شوارعنا عريضة، مر من عند العمارة المجاورة فتكلم عن ضخامة العمران، أوحى لسامعيه أن هذه البلاد تتميز بالضخامة في كل شيء، الرجل فيها طويل ضخم، المرأة أخشن من قريناتها في كثير من البلدان، أجساد الكثير بدينه، وجوه النسوة في الغالب جميلة.

عاد بعد أن استوت الحافلة في طريقها الى الرموز التي يفتش عن رؤيتها سواح المدينة، وأعطى إشارة فهمها السائق توجهاً صوب بناية الكونجرس. بناء فخم اختاره واشنطن فوق تلة يصل ارتفاعه الى المئتان وواحد وعشرون متراً، قبته الحديدية أخذت شكل ثدي أمرأه رمزاً لعطاء الحياة، ترتكز شامخة على ست وثلاثون عموداً كان عدد الولاياتفترة تشييدها، ترتفعسبع وثمانون متراً، فوقها تمثال اغريقي يرمز للحرية، تحيط بالمبنىالذي لا مبنى أعلى منه في واشنطن، حدائق خضراء تحتضن بحيرة صناعية، أخذت اسم الانعكاس، إشارة الى انعكاس عظمة الانسان على الأرض.

قال لنترك الكونجرس والسياسة التي لا يعير الخارجية منهااهتماماً ما لا يزيد عنخمسة بالمائة من الامريكيين، دعونا نذهب الى التاريخ، الىالنصب التذكاري للرئيس الأمريكي الثالث توماس جفرسون، هو من كتب إعلان الاستقلال، ومن أرسى نظام اللامركزية، وغيّرَ في الإنجيل، وتكلم كثيراً عن المساواة، وهو من أدخل الى البيت الأبيض ثلاث كتب سماوية بينها القرآن، تمثاله ضخم داخل قبة ضخمة تحملها أعمدة رومانية طويلة تعطيها هيبة وفعل تأثير.

ليس بعيداً عن هذاالنصب نصب تذكاري آخر لرئيس عظيم في تاريخ أمريكا هو ابراهام لنكولن، الرئيس السادس عشر،ذاك الذيحرر العبيد، وأعاد ولايات الجنوب التي انفصلت عن الاتحاد بالقوة في حرب أهلية أنتصر فيها، وهو أول رئيس يموت اغتيالاً من خصومه، كرمه الامريكيون بنصب على شكل معبد اغريقي يقيم على ست وثلاثون عموداً هي الولايات التي كانت قائمة يوم كان رئيساً، يرتفع الواحد منها عشر أمتار، وسط المعبد تمثاله جالساً على كرسي وجهته الكونجرس، عند النظر الى مؤخرة رأسه من زاوية الشمال يظهر فيها وجه عدوه في الحرب الجنرال لي.

معبدٌ أو نصبٌ تذكاري لا يهم آلاف الزائرين الى باحته تخليداً لذكراه وتيمناً بأفكاره في حرية الانسان.

أبطأ حركة السيارة عند مسلة يقترب ارتفاعها من حدود المائة وتسع وستون متراً، هي النصب التذكاري لجورج واشنطن أول رئيس، وأعظم رئيس. بنيتْ من تبرعات بينها صخور من أشخاص ودول، رفض القائمون عليها عام ١٨٤٨صخرة من الفاتيكان تبرع بها البابا آنذاك لكي لا يعطون المسلة رمزية دينية، موقعها في المدينة قريباً من نهر بوتوماك حيث ولد وعاش واشنطن، تتوسط المسافة بين الكونجرس ونصب جفرسون، أقتصر البناء علىصخور دون اسمنت أو أية مواد، آلاف من الصخور رتبت الواحدة فوق الأخرى، كأنها قطعة منحوتة.

ساعات التجوال تمر سريعة، ها هوالمساء قد حل، وظهر من بين الشوارع والسوح شباب من كل الأجناس والأشكال، يتجه أغلبهم الى مراقص وبارات، ومشي على غير هدى في بعض الطرقات،لا يناقشون حالهم من زوايا الحرام ولا يلتفتون الى الحلال، قوانين الحرية كالسيف تسمح، ومعايير الحضارة كالمطاط كذلك تسمح، لا أحد يتدخل في شؤون الغير، ولا ينصح وحداً منهم صاحبه ولا آخراً من الغير، خرجوا للمتعة والترويح عن أسبوع قضوا أيامه عملاً يتواصل منالتاسعة الى الخامسة،يكونون طواله مشغولون،جادون، لا يتحايلون كأنهم آلات محسوبون. تأملت جوقة منهم آتية، يصعب التفريق بين أجناسهم في اللبسوالكلام، تخيلت بعض أشياء فتنبهت أن جلهاوحي خيالقيده كثر الحرام، فأدرت وجهي صوب الفندق لأنهي يوماً تسجلَ في سفر عمر قضي أغلبه في الترحال.

واشنطن ١٧/٧/٢٠١٧