جبلا البابلية، أو جُبَلْ الآشورية أو جَبْلْ التوراتية أو جِبِلات الصليبية هي ذاتهاجُبَيلْ، وكأن التسميات دارت من حولها متقاربة لتنتج اسمها اللامع، وتنتج تاريخاًلوجودها يمتد سبعة آلاف عام لم تتوقف عند أحد عتباته الحياة،منذ ذلك اليوم الذي تواجدفيه صيادوأسماك استهواهم تلصغير على مجرى ساقية ومنخفضتحيط به الخضرة، بل لا تفارقه الخضرة، فاستوطنوه قرية تحاذي البحر،كأن أرضها تحتضن البحر، ترتفع كلما ابتعدت عنهمسافة حتى تصل الجبل، ويرتفع معها عدد المستوطنين ومساكن لهم تعتلي واجهة الجبل، تربط بينها طرق تتلوى وسط أشجار السرو دائمة الخضرة مثل أفعى النيل.

جبيل السياحية الأثرية تجيب عن حالها، قرية أضحت مدينة، قاومت كل تقلبات الحضارة وعداء البشر، استوعبت الغزاة كل الغزاة، بل طوعتهم ليكونوا جزءً منها بينهم قبائل الأموريين التي أحرقت المدينة، وأُجْبِرَتْمن أهلها على التخلي عن بداوتها والاستقرار في ربوعها ومن ثم اعادة بنائها مدينة صارت هي الأفضل، ميناءً عين الأهلفيه على مصر وعين المصريين عليهمتجارةومساعي سيطرة ونفوذ، وعين أخرى مصدرها اليونانيون الذين ضموها الى حاضرتهم مثل غيرهم من البيزنطيين والفرس والعرب والعثمانيين،لتكون عبر تاريخها الطويلمركزاً لصناعة السفن، والتجارة مع حوض البحر الأبيض المتوسط ومركزاً للسياحة قائماً حتى وقتنا الراهن.

جبيل اللفظ شطرهاالأول جُب أي البيت، والثاني إيل الالهكما تقول الأسطورة الكنعانية،فتصبح التسمية بعد الدمج جُبَيلْ أي بيت الله، يقول بائع منتجات يدوية محلية،إنها بيت اللهفعلاً، إذ بقيت محمية وبقيت فيها الكنائس الموغلة في القدم قائمة وبقيّفيها جامع السلطان عبد المجيد ماثلاً على أرض لجامع الفتح الذي بناه العرب القادمون الى المنطقة زمن الخلفاء الراشدين، ويكمل ذلك البائع قوله لقد حماها الله عندما نأت عن نفسها المشاركة في قتال الانابة إبان الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي، حيث لم تطالها شظايا الحرب مباشرة، قول يؤيده شيوخأخذوا لهم مائدة في مقهى عتيقة (يؤركلون)، يتكلمون عن تاريخ مدينتهم وعن حرب أهليه ذهب بعضهمأيام شبابه ليقاتل فيها مع أبناء طائفته في مناطق أخرى،ساعياً لتجنيبها آثار القتال، وابقائها عامرة ببيوت شيدت قديماً لعوائل عريقة تحول بعضها مطاعم تراث ومقاه تمتد الى التراث.

شكلها الجميل ونظافتها وحسن ترتيبها تسحبك شوقاً الى داخلها وان لم تكن بحاجة الى طعام، الى جانبها سوقكذلك قديم يحس الماشي على أرضه المرصوفة بالآجر وبين دكاكين بأقواس من حجر، كأنالزمن قديم، وكأن عربة يجرها حصان قد مرت في القرب يركبها شيخاً من وجهاء البلدة، تأخذك الى المرفأ أو ما تبقى من المرفأ حوض ترسو فيه مراكب سياحة، تعمل جولات بحرية لدقائق أو ساعات بالاعتماد على مقادير الدفع بالدولار أو بالليرة اللبنانية فالأمر سيان.

الجولة البحرية في قارب تبدو صناعته الخشبية،وهيئته وما تبقى من الطلاء كأنه قارب صيد قد تقاعد، يقوده شخص يعتمر قبعة قبطانوكأنه باقٍ من أيام الحرب وقد تقاعد بعد انتهائها ليعيش شيخوخته بسلام، يأخذ قاربه بعيداً عن الساحل فيهز الموج أوصاله، ينظر بخبرته في الوجوه يبتسم قليلاً ثم يستدير نصف دورة يكملها بعد دقائق فتكون عند اكتمالهاجبيل المدينة في الواجهة صورة بانورامية، عندها يعيد هذا القبطان الشيخ ابتسامة رضاً عن الأداء، ليعود الى الحوض وما تبقى من بناء يشبه القلعة الحجرية، يرصف قاربه ببراعة بين قوارب أخرى مرصوفة تنتظر دورها في الابحار. يؤشر مساعده الى مطعم من بين عدة مطاعم شيدت منذ عقود، أخذت من ارتفاع الأرض مدرجات لها فكانت طوابق فوق بعضها، تشرف جميعها على البحر، تقدم أسماكاً من صيد أهل القرية الذين توارثوا مهنة أجدادهم منذ أن استوطنوا التل.

١٠/٤/٢٠١٨