برودوي أو الشارع العريض في منهاتن وسط نيويورك، بناه الهولنديون قبل مائة عام من استقلال أمريكا، وأكمل بناؤه البريطانيون بعد استعمارهم أمريكا، وزاد عليه أهل البلاد بناءً بعد توحيدهم أمريكا، جعله الثلاثة بتفاعل ثقافاتهم الثلاثة قبلة فن عالمية، شارع عريض نسبياً بين شوارع المدينة التي تحسب ضيقة نسبياً،تقام عليه مهرجانات واحتفالات دورية، يمر به عشرة ملايين سائح سنوياً، سينمات على جانبيه تعرض أفلام طوال اليوم، ومسارح مفتوحة تقدم مسرحيات تستمر سنوات، ومتاحف ومعارض فنية. أقترح صاحبي دخول مسرحية، مؤكداً معايير الرقي الحضاري تبدأ في المسرح ولا تنتهي عنده، أشار الى مسرحية علاء الدين، قال تعرض مستمرة منذ أكثر من أربع سنين، مسرحها أمستردام تحفة فنية يستحق التمتع برسوم ملأت جدرانه وصور ممثلين كبار وشخصيات عالمية، وتماثيل ولوحات، فأخذتنا الأرجل مشياً،الشارع ومكانه قريب من الفندق.
هنا في بداية الشارع زحمة وتدافع ناعم، تلتفت يميناً تجد مشاهدي أحد الأفلام قد أتموا مشاهدتهم وخرجوا مرة واحدة عدة مئات، وهناك على الشمال تزاحمٌ في الدخول، تقرأ لوحة في الأعلى تشير الى متحف يئمه المئات، وفي الركن القريب وقف العشرات يتناول بعضهم شراباً ويشارك بعضهم الآخر أصحابه في الكلام، أخذوا لهم مكاناً على الرصيف. رجال ونساء شيب وشباب وبعض أطفال يقفون خلف بعضهم في خط مرصوص أخذوالهم أيضاًمكاناًعلى الرصيف، وجهتهم مسرح أمستردام، يمر الداخل أولاً على تفتيش، يقابل بعده استعلامات تدقق في التذكرة، وتدل على الوجهة، مداخل في كل واحدمنها عامل يؤكد صحة الوجهة، فكان نصيبنا الطابق الثالث من المسرح ذا الأربع طوابق، مفتوح من الواجهة بزاوية نظر علوية، توصلك الى الكرسي المثبت عليه رقماً،فتاةٌ اختيرت بعناية.تقف عند الكرسي،كأنك لا تود الجلوس، مبهوراً بما موجود، حيطان مرسومة، وشرفات(بلكونات) معلقة خصصت لجلوس العوائل أو الجماعات التي تسعى للخصوصية وتدفع أكثر، وستارة عريضة ترتفع عدة طوابق، تتبدل ألوانها آلياً، تنتبه الى وقوفكبين مجموع الجالسين، ورأس لك يدور بعدة اتجاهات، دون سيطرة منك على دورانه الممهور بحفنة تعجب، تُخرِجُ من خلايا عقلك المشدوه ومضات ذكرى لسينمات ومسارح بغداد والبصرة والموصل وبابل في عصرها الذهبي إبان ستينات وسبعينات القرن الماضي، تدفعك الى الجلوس معتذراً يلاحقك ألم في أسفل الحلق من هول كلمة (أوف) تنطلق دون سيطرة وسط جمهور لا يعي معناها الصحيح.
في هذا المكان وفي كرسي من بين ألف وثمانمائة كرسي العدد الاجمالي، تبقى تتلفت، وهذه المرة الى الجمهور الداخل ومصابيح الدلالة، وامتلاء الكراسي جميعها، ورفع الستارة عند الثامنة، وسكوت عم المسرح الا من همس تعجب خفيف بيني وبين صاحبي.
تبدأ المشاهد متسلسلة علاء الدين ذاك الشاب البغدادي يعجببابنة السلطان، كما جاء تماماً في ألف ليلة وليلة،ونعجب نحن بأداء الممثلين وبالإخراج المسرحي، والموسيقى في انتاجها رقصاً يمزج بين الشرقي والباليه، وحركات تجمع قدراً من الحقيقة والخيال مستوحاة من عوالم السحر، يتوقف المشاهد حتماً عند تقنية المسرح المبهرة، والديكورات التي توضع وتختفي آليا، والدخان الخارج من المصباح، وظهور الجني من على خشبة المسرح بطريقة وكأنه يخرج فجأة كما قرأناه في الأصل، واختفاءه من عليها كذلك فجأة، وطيران السجادة في أجواء المسرح وعليها علاء الدين الى جانبه حبيبته بنت السلطان. كل شيء فيه ومن حوله كان مبهراً، يعبر حقاً عن حضارة تتقدم بسرعة طَوّعتْ التقنية أو قسم من التقنية لمتعة الانسان لقاء عائد مادي يديم دورة اقتصاد لا علاقة للدولة بها الا من نواح المراقبة والضبط وجني الضرائب مليارات.
انتهت المسرحية وفي زحمة الخروج قلت لصاحبي، لو كان الأمر بيدي لدفعت كل سياسي ومسؤول حكومي عندنا لحضور المسرحية على خشبة مسرحها هذا ليرى معنى الحضارة، ويقيس الزمن الذي توقفت عندنا، عساه يغير آراءه من التحضر والفن، ويعلي شأن الحرية الفردية التي بنت مسرحاً يمثل حضارة هي الأولى في عالم اليوم.