لم يكن هناك كرسياً شاغراً في الطائرة القطرية المتجهة الى بانكوك، أغلب ركابها آسيويون يقضون إجازات وخليجيون سواح. قال عنها راكب إماراتي عجبي من الخطوط القطرية، تستهل رحلتها بآيٍّ من القرآن وتوزع الكحول على الشاربين بالمجان، وهي مزدحمة طوال الوقت وفي كل زمان؟

أجابه زميل أربعيني يجلس الى جانبه، يبدو وكأنه من أهل عُمان:

- وما العجب في هذا فأنها شركة تُفصِلُ عملها التجاري عن فلسفة التدين في الدولة وقد نجحت فهي الآن شركة عملاقة.

هز الاماراتي رأسه علامة التأييد، ففتحا بنقاشهما هذا منافذ النقد والأسى في ذاكرة كان يفترض إبقائها مغلقة طوال فترة الاجازة على أقل تقدير، فتدحرجت على سطحها ذاكرة مزدحمة بالأفكار كيف استدخلت الخطوط الجوية العراقية فلسفة التدين غير الرسمية للدولة في سبل طيرانها وأسواقها الحرة، وكيف باتت أصغر من بدايتها شركة، كانت عملاقة.

بدأ الليل يرخي سدوله على العاصمة التايلندية حال الخروج من الطائرة التي تأخر درجها عند الهبوط ساعة لشدة الازدحام في مطار يتوسط عدة بلدان يأخذه مواطنوها محطة انتقال الى بلدانهم.

ليل وسط العاصمة، ليس ساكناً كما عهدناه في بلادنا،وليس مخيفاً...صاخبٌ بلا مؤمنين يتهجدون، ولا قمر ولا نجوم بهما الشعراء والعشاق يتغنون، كأنه قد عُمِلَ بقصد إيقاف الخدر وعبث النهار. جميلٌ بكثر الناس الماشين على أرصفة مكتظة بالباعة المتجولين وعربات طعام وشباب لا تفرق جنسهم ينادون بكل اللغات يعلنون عن بضاعة مساج واسترخاء وحفلات رقص وغناء، تخدم غاية الليل، وسطهم المئات من بنات الليل، كذلك لا تفرق بين أجناسهم.

قال صاحبي وقاربت الساعة الثانية صباحاً، وقد أرهقته ساعات الطيران الطويلة، ما هذا الليل، لم أرَ فيه ماشياً من أهل البلاد الا من كان عاملاً لخدمة السياحة، وعرج على مقال كان قد قرأه قبل السفر أشار الى أن تايلاند تهتم بالسياحة، وتقدر الأوساط المختصة أنها تستقبل بحدود ثلاثين مليون سائح سنوياً، وإن شعبهم وبالإضافة الى طبيعة البلاد الجميلة، شعب يتمتع بأخلاق السياحة فهم في الغالب ودودون، يبتسمون، يجيبون، في الأسعار يتعاملون، ومع هذا فالبعض منهم قفاصون.

بانكوك ٦/٤/٢٠١٧