في الحروب تتغير خصائص شعوب، وتتبدل أخرى، وتنتهي ثالثة، وتولد رابعة، وهكذا هي الحال، التي لا تتعلق فقط بالعراق، الذي تلاشت فيه خصائص إجتماعية إيجابية مثل التكافل، والإيثار، والمشاركة وغيرها، وجاءت بدلها أخرى، أو عديد من الخصائص السلبية، مثل التفرد، والاتكال، والنفعية وغيرها، في ظروف صراع شديد بين السلب والإيجاب، تحت سقف الديكتاتورية والحصار وتعدد الحروب.

لكن الذي يتعلق بالعراق، وعلى العكس من باقي  الشعوب أو كثير من الشعوب التي خاضت حروب، وعانت ويلات حصار، وخسرت تجارب قتال، وخرجت منها أقوى في التحمل والصمود، وأمضى في أكتساب الخصائص النفسية والاجتماعية المحسوبة على الإيجاب، وأوفر حضا في تشذيب الخصائص التي كانت تحسب على السلب لما قبل الحروب.

في العراق الأمر مختلف تماما، يصعب الجزم في مجاله أن كل الخصائص السلبية التي نتلمسها الآن، ونتكلم عنها بحرية الآن، قد جاءت أو ولِدتْ من رحم الحروب، والأصح في مجالها، إن وجودها الذي كان موجود، بقدر لا يؤثر كثيرا في السلوك العام، قد نمى وتعزز بمستوى بات ملموسا ومؤثرا على الواقع وسير الحياة، ولنأخذ مثالا على هذا الرأي خاصية النفعية التي من المؤكد أنها كانت موجودة، قبل سبعينات القرن الماضي، قبل أن يدخل العراق أتون التغيير في القيم والعادات والتقاليد، لكنها تضخمت بعد آخر تغيير، وربما آخر الحروب، لتكون بمستوى يدرك وجودها عموم العراقيون بسهولة، ويتعاملون معها في العلن دون حياء، حتى شاع في الأوساط الوظيفية قول مشهور " أفد وأستفد".

خاصية مدمرة، تكون أكثر تدميرا، عندما تنتقل إلى السياسية أو عندما يقود البعض من السياسيين وقائعها، ويكونون هم كمصلحين، في مقدمة النفعيين.

إن مثل هؤلاء المصلحين النفعيين، في الصف السياسي العراقي كثيرون، وما زالوا يتكاثرون.

بعضهم جاء مهرولا، بعد طول أنتظار، وقسوة حياة، ومعاناة غربة.

أعترف له العراقيون بنضاله يوم وصل مناديا بالتغيير، والتسامح والغفران، والتوجه لإعادة البناء والتعميير.

وأشروا فشله، يوم أنكر عليهم حقهم في الوقوف معه في المقدمة، وصادر تمويل الحزب الذي ركب على أكتافه يوم المجيئ، وسكن مكاتب المسئولين الحكومين، ودوائر السياسيين، يفتش عن مكان له، وعن تقاعد لزوجته، ووظيفة مرموقة لولده الذي لم يبلغ سن العشرين، وعن مشروع مقاولة يتقاسم أرباحه مع شقيقه الذي أغتنى من مشاريع العهد السابق، وتجارة النفط مقابل الغذاء طيلة السنين.

فسجل بسلوكه هذا، وجود ملموس لخاصية الانتفاع كبرت في عقول العراقيين.

وبعضهم الآخر خرج من بين الصفوف التي كانت مضطهدة، وجائعة، وعانت سني القحط وشدة الضغوط، أعترف له العراقيون أيضا، بخروجه قدوة يمكن أن يمثلهم، وألتف البعض منهم حوله، يصفقون كعادتهم، ويكبرون فيه هذا الخروج.

وأشروا فشله، يوم تنقل من هذا الحزب إلى ذاك، ورشح للإنتخاب عام 2005 مع هذه الكتلة العلمانية، وأعاد الترشيح عام 2010 مع الأخرى الدينية الإسلامية، وبين هذا الترشيح وذاك، تنكر لزملاءه الذين رافقوه يوم الخروج، وتقرب من رئيس الكتلة هذا وذاك، همه جس النبض، وحساب مكان النفع، والتفتيش عن وقع الأقدام، لقد أشره العراقيون وأشروا كثيرا من أمثاله وسلوك الابتذال، فأسقطوه بالانتخاب، ومع هذا السقوط، بقيت عيونه شاحبة صوب المسئول، وبقي يفتش عن مكان، وعمره جاوز الخامسة والستين، فسجل ببقاءه، أنه من بين النفعيين، وأعطى وغيره الكثير من كبار السن في صفوف السياسيين، الأنطباع بإن خاصية النفعية قد تضخمت كثيرا بعد التغيير، وأستحق عنهم المثل العراقي بعد التحوير:

يموت السياسي وعينه على .... المنفعة.

                                                                                       د. سعد العبيدي

                                                                                       12/6/2010