لقد أثارت مصافحة رئيس الجمهورية العراقية جلال الطالباني لوزير الدفاع الإسرائيلي أيهود براك في لقاء عابر الكثير من الضجيج الإعلامي والجدل الإنفعالي بين مؤيدين لها ومعارضين في مجتمع عربي بقي الجدل المشوب بالعداء في محيطه اساسا للتعبير عن أتجاهات التعامل مع القضايا المصيرية التي لايقوى على التعامل المنطقي مع متغيراتها المعقدة. وفي مجالها لا نريد التسويغ لرئيس الدولة صافح عدوا لم توَقعْ عمدا مع دولته أية أتفاقيات هدنة أو تصالح منذ بدء الصراع عمليا في عام 1948 وإن سجل التاريخ العربي  آلاف المصافحات بين الأعداء حتى في ساحة القتال التي يتسم السلوك البشري فيه بأعلى درجات المقت والعدوان، لأن المصافحة تقليد حضاري أثناء التقابل وعند فض اللقاء لا يعني بالضرورة الموافقة أو الأتفاق.

ولا نريد الإشارة إلى إن العرب الواقفين في الصف الأول من طوق العداء العربي الإسرائيلي قد تصافحوا سرا مع الإسرائليين في كل اللقاءات التي جرت معهم للتفاهم فيما تقتضيه الظروف الحاكمة للصراع وسبل فك الأشتباك، لأن المصافحة سبيل أوجده الإنسان لتقريب المسافات النفسية بين الأطراف المتصالحة، وطريقة لإمتصاص الشحنات الإنفعالية للعداء بين الأطراف المتخاصمة.

ولا نود التذكير بخسارة العرب يوم أحتجوا على أقتراح الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة مطلع ستينات القرن الماضي بالجلوس علنا مع الإسرائيليين والتفاهم معهم على حقوق الفلسطينيين، وبدلا منه أصروا على البقاء بعيدا يدعون ويعربدون حتى فقدوا ما كان مصنفا حقا للمنكوبين، وتذكروا بعد نصف قرن من ذلك التاريخ أن مقترح بو رقيبة هو الأساس في النضال من أجل المحافظة على ما تبقى من الحقوق.

وعلى دعوة الملك الحسن الثاني بقبول إسرائيل وتحويل شكل الصراع معها من العسكري الذي تتفوق فيه على جميع العرب إلى حضاري وبشري يتفوق به العرب، ومنه يستطيعون أستيعابها ويقللون من تأثيراتها السلبية عليهم لو بعد حين، حتى أكتشفوا بعد نصف قرن من النقد والتجريح أن دعوة الملك هي السبيل الأمثل لتفادي ضربات الإسرائليين القاسية على الرؤوس.

وعلى مبادرة الرئيس المصري السادات في زيارته المعروفة لإسرائيل، وتحقيقه تحرير سيناء بخسارة تقل عن خسارة الصدام العسكري المعهود، وبعد أن كفروه في الدنيا والآخرة، وأنكروا عروبته، عاودوا بعد عقدين من الزمان إلى السير في طريقه أسلوب وحيد للحل والتطبيع، فخسوا بسبب سلوكهم الرافض هذا الزمن، وفرص التقدم، وكثير من المال، وكسبت إسرائيل في تهربها من التصافح بمزاعم عربية المزيد من الأرض والتقدم وتعاطف العالم بقليل من الإستثناء.

إن التسويغ والتذكير لا يفيد العقل العربي المشبع بمشاعر الرفض والعدوان، وعدم الإتعاض، ومع ذلك يمكن التنويه إلى أن:

دعوات عدم المصافحة رغبة إسرائيلية لوضع العرب في خانة الهمجية وإبعادهم عن إمكانية التفكير بالحلول المنطقية، التي تبقيهم في دوامة التخبط والتخلف وبما يسمح لها الأستفادة من الزمن وفرض الأمر الواقع بعد طول السنين، وإن إسرائيل منذ تاسيسها هي التي قاومت كل الحلول السلمية التي تبدأ بالتصافح ونفذت رغباتها هذه بأدوات تنفيذ عربية:

إعلامية وعدت ابواقها برمي إسرائيل المفروض وجودها دوليا في البحر فحصلت بسببها على دعم العالم المتحضر في جولاتها التي رمت العرب خلالها خارج التاريخ.

وسياسية دفعت بحنكتها العرب من داخلهم إلى التشتت والتفرقة، واستهجان التصافح، فأستفردت بهم الواحد تلو الآخر حتى وقفوا أخيرا في الدور من فرط القلق يقبلون ويستعطفون للمحافظة على كراسيهم والعروش.

وعسكرية حيث الجيوش العربية التي أسهمت إسرائيل بجهد دولي في توجيهها لأن تكون أجهزة أمنية لحماية الرؤساء والملوك فأنكسرت في المواجهة لتضعهم في دائرة اليأس وتفرض من جانبها الشروط.

وكذلك أدوات تنفيذ علمية، وتقنية، ونفسية، وحضارية تتفوق في جميعها بالقدر الذي يبقي المصافحة المقتدرة الوسيلة الأقل تكلفة في  التعامل مع موضوع الصراع، الذي يحتاج أكثر من مصافحة لتحقيق السلام العادل، وتجاوز آثار الخسارة، ولضمان المحافظة على القليل المتبقي من الحقوق.            

د. سعد العبيدي                               11/7/2008