أعلنت المفوضية المستقلة للانتخابات أرقاما للعراقيين الذين سجلوا أسمائهم في السجلات الخاصة بالانتخابات فكانت أرقاما تقل عن الحدود الدنيا المقبول بها في المقاسات الدولية للانتخاب، وأعادت تمديد الفترة ثانية فكانت النتيجة ذاتها، وكان العراقيون غير متحمسين للتسجيل، وناقشت وسائل الاعلام هذه الظاهرة، وكذلك الكتل والاحزاب التي تحكم والتي تعارض أو تلك الموجودة خارج التصنيفين المذكورين، وأشارت جميعها إلى أن الاحباط الذي أحسه العراقيون منذ الانتخابات الاخيرة نهاية عام 2005 حيث لم يفِ المنتَخبُون بوعودهم للمنتخبيِن، ولم تقدم العملية السياسية التي نتجت عن الانتخاب ماكانوا يريدون منها في مسائل الأمن والخدمات والرفاه، هي الأسباب الرئيسية لهذا العزوف وأضافت لها أمور أخرى تتعلق بالأداء المتدني للبعض من الوزراء والمسؤولين، وهذه أسباب صحيحة أخذت أو تناولت جانبا من موضوع العزوف، وأبقت جوانب أخرى بعيدة عن المتابعة والتمحيص، خاصة تلك التي تتعلق بالطبيعة النفسية الغالبة للعراقيين الذين يتصفون في حقل السياسة بعدم الرضا عن الحاكم عراقي كان أم من أصول غير عراقية:

فهم وإن ينتشون بصنعه قويا مستبدا، ويكبرونه بدعواتهم حاكما معصوما، ويعظمونه بافكارهم وليا درويشا، فإنهم يستمتعون بإنزاله القسري من على العرش كافرا زنديقا، وبدفعه إلى الموت خائنا رعديدا، وفي نهاية المشهد يتلذذون بقتله في إحتفالات هستيرية لا يقل التصفيق والابتهال فيها عن بدايات التكبير والتعظيم.

مشاهد تكررت منذ الملكية فيصل الثاني ونوري السعيد وأنتقلت الى الجمهورية الأولى عبد الكريم قاسم والثانية عبد السلام والأخيرة صدام حسين، وستتكرر في العصر الحالي ما بعد التغيير بطريقة مختلفة لان معالم الشخصية لم تتغير على الرغم من التغيير الذي حصل على وسائل وظروف التعبيير، والنهاية هذه المرة سوف لن تكون سحلا بحبال الرعاع والمهوسين، ولا طعنا ببنادق العسكر الثائرين، ولا شنقا بحبال المنتقمين، بل وبأسلوب ينسجم وخطوات الديمقراطية والعولمة التي أدخلت العراق مجتمعها الواسع، والخطوة الأولى للإنهاء القصدي قد بدأت بالفعل عزوفا عن التسجيل في السجلات الانتخابية، الذي يفسر بعدم الرضا عن الواقع المعاش، وبالاحتجاج عن ما يحصل " بغض النظر عن صحته من عدمها" أي أن العراقيين وتبعا لطبيعتهم النفسية أنتقلوا من مرحلة الصنع والتعظيم والتكبير إلى مرحلة الإنهاء، وأنتقالهم السريع هذا الذي اسهمت بحصوله عوامل الديمقراطية والتدخلات الخارجية سيقود إلى الخطوة الثانية التي ستكون منطقيا عدم أنتخاب نفس الوجوه التي أنتخبت قبل ثلاث سنوات، وانتخاب آخرين ضمن مشروع للتعظيم يبدأ من جديد، وينتهي بنفس النهايات السابقة، وهكذا ستستمر الحال لعدة دورات أنتخابية قادمة حتى يتعلم منها العراقيون العاديون مكمن مصالهم وأسلوب التدقيق فيمن يمثلهم في تحقيقها.

أنه تصور لما حصل وما سيحصل في موضوع الانتخاب لمجالس المحافظات، وما بعدها الانتخابات البرلمانية، هل تدرك الأحزاب والكتل السياسية طبيعته؟. وهل تستفيد من مؤشراته لتغيير أساليب قيادتها والوجوده التي سيطرت على مقاليد أمورها؟.  تماشيا مع خاصية عدم الرضا، أم إنها ستتمادى في مسيرتها وتبقي ذات الوجوه؟. فتواجه السقوط الذي يمتع الجمهور المتعطش لمشاهد تعود تكرارها بين الحين والاخر.

إن الفرصة للتغيير في الوجوه والمفاهيم محدودة، وفرص البقاء في الحكم لأكثر من دورة أنتخابية محدودة أيضا، ومن يريد تجاوز هذه الحقيقة النفسية من السياسيين عليه أن يعمل بوسائل جديدة لكسب رضا الجمهور العراقي المعروف بصوبة الرضا في كل زمان.                 

د. سعد العبيدي                                   22/8/2008