سقط نظام الحكم الذي توهم فيه صدام أنه الزعيم، وتفرق من على الناصية فيما حوله أفراد الحاشية ومفاصل القرار السياسي والعسكري والإداري اللذين عززوا من وهمه على أنه الزعيم. وفي الأيام الأولى للسقوط هرول الجمع الخيّر إلى الأمام وفي مخيلتهم أفكار للتخلص من بؤس التأليه الفاضح للزعيم. يناقش بعضهم مساوئ الإفراط بالزعامة في منطقة تكثر فيها الهموم وتعم المأساة، ويؤكد البعض أن المستقبل ينبئ بنوع آخر من الزعامة ينفع في تقليل الهموم ويعجل بإنقاذ العراق، ويتصور البعض الآخر أن التجربة القاسية لأكثر من نصف قرن من الزمان ستغيّبُ حتما كل العوامل المساعدة لتعزيز الوهم في الزعامة التفردية التي أنهكت الجمع ودمرت العراق. لكن الأحداث لم تؤشر جدوى المناقشة، ولا صدق التنبؤ، ولم تدعم الوقائع أي أمل للغياب، إذ وبعد أن استفاق الناس من الصدمة، وتخلص الغالبية من سلطة الخوف، وتوزع الجمع بين مؤيد ومعارض. منتقد ومقاتل. راغب بالبناء ومخرب لأعمدته. ساع إلى التهدئة ومساهم في إثارة الاضطراب ..... تبين أن الزعامة هي القاسم المشترك لكل تلك التوزيعات وكأنها وهم كان محصورا في عقل صدام، وبسبب شدة الحصر وسرعة التسرب أنتشر بطريق العدوى الاجتماعية بين المهرولين أو إنه خاصية كانت مكبوتة في دواخلهم واندفعت إلى سطح التفكير مع الساعات أو الأيام الأولى للتغيير كنتيجة حتمية لسقوط الطوق الخارجي للخوف. وتبين أن الكثير منهم قد توجه بسببها أي الزعامة إلى حلبة السياسة ينادون بأعلى أصواتهم لنصرة العراق، والنصرة الأهم من وجهة نظرهم كانت في تأسيس الأحزاب والحركات السياسية والجمعيات والنوادي والتيارات والاتحادات والنقابات بشروط كانت ترتكز على المحور المركزي للزعامة، حتى زاد عدد الزعماء في فترة الأشهر الستة الأولى للتغير عن الخمسمائة زعيم، وإن كان البعض منهم لا يحتكم على رعية إلا على القليل من أفراد العائلة والأصدقاء. ومع ذلك يحدو الأمل أي الوهم بعضهم في أن يحصل على حصته زعيما للعراق أو قائدا للضرورة في غفلة من الزمن الصعب. ويتبين أيضا أن الوهم بالزعامة خاصية سلبية في أعماق الشخصية لبعض العراقيين ما زالت موجودة رغم شدة المعاناة وكثرة الخسائر بسبب سطوتها. ويتبين من تكرار حوادثها كذلك أن الشعور بالدونية بين البعض القريبين من الواهمين والمحيطين بهم ما زالت سائدة في عقول الذين يأخذون على عاتقهم تجسيد الوهم بالزعامة في الشخصية الحاكمة أو الساعية إلى الحكم، ودليلنا على ذلك نتائج الانتخابات التي أشرت بكل وضوح أن هناك ثمان وتسعون من مئة وإحدى عشر عنوانا لرأس قائمة توهم أنه يمكن أن يكون زعيم، وواقع الحال لم يسعفه أن يحصل على ما يكفي من أصوات تجلسه نفرا على كرسي البرلمان، وكان هذا من أهم ما جاءت به الانتخابات وإن شابت بعض جوانبها علامات استفهام، لأنها أكدت وجود الوهم إضطراب إجتماعي يحتاج العراق الديمقراطي تجاوزه من ناحية، وتسببت من ناحية أخرى في صدمة لكثير من الواهمين عسى أن يستفيقوا منها في الأيام المقبلة ويتجهوا بدلا من الاستمرار بالغرق في حبائله إلى اندماجات وائتلافات جديدة، وكذلك على إعادة تنظيم يتقلص فيه عدد الأحزاب والزعماء إلى أربعة أو أكثر بقليل يتنافسون ديمقراطيا كما هو حال العالم المتمدن في هذا الزمان.  

د. سعد العبيدي                                        14/2/2005