أعلنت الحكومة العراقية يوم 25 مايس، حل شركة خطوطها الجوية العريقة، فكان الإعلان أو إشهار الافلاس، النتيجة الحتمية لمعركة كانت طويلة بينها طرفا عراقيا محكوم عليه بالتعويض، وبين الخطوط الجوية الكويتية طرفا مقابلا كويتيا محكوم له بالحصول على التعويض:

نتيجة مؤلمة، سيدركها العراقيون، في ظروف لم يتجاوزوا فيها محنة التغيير، خسارة معنوية، وخدش في الحياء الوطني، وإحباط نفسي، يدفعهم إلى تسجيل إنفعالاتها، في خلايا عقلولهم، تسجيلا بطريقة تختلف هذه المرة، عن تلك الطرق التي سجلوا فيها النتائج من قبل، لصالح جارة لهم هي الكويت، كان قد ظلمها صدام، ظلما لم يكن هم فيه طرفا في السعي والتخطيط، وبمعاني تسجيل رمزية، تختلف أيضا هذه المرة، عن سابقاتها التي، اقروا فيها مع أنفسهم خطأ عملية الغزو، وخطأ التدمير المتعمد، وخطأ النهب الذي بدأه قادة هذا الحاكم المهووس بالتدمير، وهي بوجه العموم تسجيلات إنفعالية، ستحدد طبيعة المشاعر والاتجاهات من الكويت والكويتيين، ونوع السلوك في التعامل معهم حاضرا ومستقبلا.

وهي كذلك نتيجة غير متوقعة لعموم العراقيين، مثيرة للصدمة والابتئاس، في ظروف لم يخرجوا فيها من صدمة الهدم والتخريب والارهاب لما بعد التغيير، سيحسبونها من الناحية النفسية، مقصودة لإيذائهم، ومخطط لها بقصد إعاقة نموهم ورفاههم، وسيضطرون في موضوع التسجيل الحتمي لإنفعالاتها في عقولهم المتعبة، إلى إزاحة بعض المخزونات التي سبق وأن سجلوها عن مظلومية الكويت، وعن حقها في البقاء دولة شقيقة، بعيدا عن ضغوط الابتزاز، وبعملية التسجيل الجديدة،  ستتغيير كثير من الآراء والاتجاهات، التي تحدد طبيعة التعامل معها حاضرا ومستقبلا.

إنها حقائق يدركها البسطاء من السياسيين، والبرلمانيين، والناس العاديين، عراقيين وغير عراقيين، فكيف لا يعي إنعكاس نتائجها السلبية، على مستقبل العلاقات بين البلدين الجاريين، الأخوة الكويتيين؟

وكيف غابت عن ذاكرتهم تلك الوعود بالدعم التي قطعوها لقادة التغيير قبل حصوله بقليل؟

وكيف تناسوا حقائق التاريخ، والرغبة الشعبية العراقية بتجاوز مصائب الماضي المؤلمة، طوال سنين؟

وكيف تجاوزوا أستشراف المستقبل، وحقوق توثيق العلاقات بعيدا عن التطرف والانفعال لضمان حياة أفضل لكل الأجيال؟.

حقائق، تَعودُ بنا إلى الماضي القريب، يوم أسس صدام قراره في الغزو على ما تبقى من ديون للكويت على العراق إثر حرب كان الجميع فيها طرف من قريب أو بعيد، كبرت في عقله الراغب في الانتقام، وأكبرها في عقول الآخرين الساعين إلى سد الفجوة التي أوجدتها الحرب بينهم، وبين جيرانهم الآخرين، فكان الغزو، وكانت نتائجه، خسارة للعراق تفوق عشرات الأضعاف، تلك الديون المستحقة للكويتيين، وكانت خسارة لهم، تفوق هي الأخرى عشرات المرات، تلك الديون المترتبة على العراق، والمطلوب دفعها في ظروف تصعب على الكافرين، وكان الغزو، كارثة جَرّتْ المنطقة إلى الاضطراب، وتسببت في رسم خارطة سياسية لها، طبيعتها غير تلك التي كانت موجودة قبل العزو، وإن لم يستطع البعض مشاهدتها بعيونهم المجردة.

حقائق، لا يجب أن تغيب عن الذاكرة السياسية والاجتماعية، وعن أهل الرأي والحكمة في كلا البلدين (العربيين، الجارين، المسلمين، !) لأن غيابها وتسجيل إنفعالات سلبية بدلا منها، سيفقد الكويتيين والعراقيين معا ضمانات الاستقرار، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن العراق ومهما كانت جراحه المثخنة، سيتعافي منها، وسيقف على قدميه من جديد، عندها لاتوجد ضمانات في أن يتقدم الصفوف العراقية يوما تختلط فيه موازين الأمور، من يستطيع أن يكبر المعاناة المطبوعة في ذاكرته، ويضخمها في ذاكرة الغير، ويؤسس عليها نقاط خلاف وتوتر، تعيد الطرفين الى نقطة الصفر، وتكلفهم أضعاف ما أختلفوا على تسديده من بضع مليارات.

إن الحكمة أكبر من كنوز الأرض ومن المليارات، وإن التواد أكبر من سلطة المحاكم ومن كل التعويضات، وإن ما حصل مع الخطوط الجوية العراقية، وإن كان حقا للخطوط الكويتية من الناحية القانونية، فقد سجل نقطة ليست في صالح الكويت، نأمل أن لا نجد من يكبرها في عقله، وعقول الآخرين.

                                                                                          26/5/2010