كلمني زميل لي من لندن مبتئسا من منظر كان شاهدا حدوثه في أحد كافترياتها التي تقدم الشيشة "النركيلة". شخوصه ثلاثة شباب عراقيين جالسين على طاولة يؤركلون وأربعة كويتيين قريبين من أعمارهم يجلسون على طاولة تجاورهم لنفس الغرض المذكور. بدأ الحديث بينهم وديا عن لندن والسياحة والعمل حتى دخل شيطان السياسة بطريقة العتب أولا عن أفعال أرتكبت إبان إحتلال صدام للكويت، لم يجد العراقيون في مجالها جوابا سوى التأكيد على إنهم غير معنيين بما فعله صدام. وفي المقابل رد العراقيون بعتب عن أفعال حرق وتخريب أرتكبت إبان الاحتلال لدوائر ومؤسسات عراقية عام 2003 من كويتيين رافقوا قوات الاحتلال أو أشخاص مدعومين من الكويت، لم يتأخر الكويتيون بوصفها إشاعات حقد وتفريق لا دليل مادي على وجودها ومن يرددها هم أتباع صدام، على إثرها أرتفعت الأصوات عن معدلاتها المعهودة في مثل هذه الأماكن ليتحول مع أرتفاعها العتب إلى أتهام بدأه شاب عراقي على صيغة سؤال وجهه إلى جيرانه الكويتيين:

هل ميناء مبارك الذي تنشأونه بقصد خنق العراق والانتقام منه إشاعة ؟

هنا تحول الموقف فجأة، ونهض الطرفان من على كراسيهما، ولم يعد أحد من الجالسين وشهود الاثبات يفهم شيئا بعد أن تعالت الأصوات وأستخدمت الكلمات النابية باللهجة المحلية لكلا الطرفين، وعندما لم يفعل الكلام فعله حشد كل منهما قواه البدنية وأحتدم العراك بالأيدي وبما متيسر من كراسي ومواد أخرى قابلة للاستخدام، لم ينته إلا بقدوم الشرطة التي فضته على الفور تاركة السبب الأصلي للعراك وميناء مبارك إلى مستقبل قد يشهد بسببه عراك ليس بالأيدي وبما ميسور من مواد جارحة بل بالأسلحة التي يصنف بعضها مدمرا.

إن هذا الحادث البسيط بين شباب يرجعون إلى أصل واحد يؤشر أن كم الحقد بين العراقيين والكويتيين كبير، وإن السنين العشرين التي مرت على الأحداث زادته شدة وسعة في الانتشار، وإن الجهود المبذولة للتهدءة وأمتصاص التوتر والحقد غير موجودة، وعلى العكس منها هناك جهود لإبقائها نارا مستعرة من خلال ديمومة الضغط وفرض المشاريع قريبا من حدود العراق، مثل ميناء مبارك الذي يفسرها العراقيون إيذاءا لهم، وأستغلالا لضعفهم، وبدرجة ستبقى الأحقاد ماثلة في العقول حتى يتهيأ الوقت الملائم لإخراجها عن طريق القوة واستخدام السلاح، عندها سيتذكر الكويتيون أنهم أخطأوا وإن الثمن المدفوع سيكون أضعاف ما يقدمه ميناء في منطقة حساسة، لدولة تمتلك شواطئ واسعة، وعندها سيقول العراقيون في فورة إنفعالهم أنهم قد خسروا في جيرتهم هذه الكثير ولم يعد لديهم شيئ يخسرونه أكثر مما كان، وسيعود الطرفان إلى نقطة، الصفر، عداء، واستنزاف، وحقد، وتدخل أجنبي، وقلق مستمر.

إن الحلم في مثل هكذا مواقف هو الأسلم، وتفكيك الحقد بالتسامح والتواد هو الأضمن، وفتح صفحة جديده يبدأها الحكام من أعلى الهرم هو الأصح، لأن العراق باق، والكويت كذلك باقية لا مجال لعيشهما المتوائم إلا بنسيان الماضي الأليم، والسعي لكتابة تاريخ جديد، يبتعد فيه الكتاب المنصفون عن مكنونات النفوس المريضة، والسياسيون عن إيحاءات الأجنبي الذي دفع بسببها الشعبان الشقيقان ثمنا يقدر بالكثير.

                                 

                                                                            د. سعد العبيدي

                                                                          20/7/2011