غالبية الحزبيين في العراق الحالي يعتقدون بضرورة الحصول على مقعد في البرلمان القادم حتى ترك بعضهم الحزب والحركة بسبب عدم وضع أسمه في مقدمة القائمة الانتخابية، وتصرفه هذا لا يعدوا رغبة شخصية ملحة في استثمار الفرصة المتاحة للوصول إلى المكان الذي يحصل فيه على أعلى راتب وأقل خدمة لأغراض التقاعد وأمور أخرى. وعديد من أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبين في دورتها الحالية "مع بعض الاستئناءات"أحسوا بعد أنتخابهم قبل أقل من سنة أن المقعد المجرد في البرلمان القادم غير كاف لأشباع الحاجة النفسية لتحقيق الذات السياسية، فأداروا ظهورهم إلى قوائمهم السابقة، وأنشأوا قوائم أخرى يكونوا فيها الرقم الأول، معتقدين أن الفرصة متاحة في أن يحصدوا أصواتا كافية تنقلهم من عضو إعتيادي في البرلمان إلى رئيس كتلة قادر على تغيير وجه التاريخ، وأمور أخرى. وكثير من شيوخ عشائر التسعينات "مع قليل من الاستئناءات" أعتقدوا بسبب تملق السياسيين لهم أنهم أولى بالجمع بين المضييف ومقعد البرلمان فشمروا عن سواعدهم وأنتشروا بين القوائم عارضين، وواعدين، ومؤكدين حق الشيخة في مجتمعهم العائد إلى الوراء أن يضعهم أسماء مرشحة في مقدمة القوائم، حالمين في ذات الوقت بمقعد في الصف الأول من قاعة البرلمان يوفر لهم عناء التنقل الحالي بين الوزراء والمسئولين ورؤساء الكتل والأحزاب من أجل التوسط، ومتابعة المعاملات، وقبض العمولات، وأمور أخرى. وبعض الوزراء التكنوقراط الذين طالب المجتمع باستيزارهم تجاوزا على منطق الحزبية، والطائفية في خطوة أراد لها الخيرين أن تسهم في التخلص من عواقبهما أي الحزبية والطائفية وبؤس المحاصصة، شعروا أن المنصب الذي هم فيه غير دائم إن أبقوا أنفسهم مستقلين تحت عباءة التكنوقراط التي لم تنفع في تحقيق الطموحات العلمية، والمهنية في عراق اليوم بعد أن ملئت كثير من مفاصل الإدارة في وزاراتهم بالمنتسبين غير الموالين، فتوجهوا هم أيضا إلى السياسة والترشيح آملين أن يوفر لهم المنصب، والوضع الاجتماعي الحالي، وتملق المنتسبين أصواتا تكفي لمقعد موسوم بالسياسة يحقق في أيامنا هذه كثير من الرغبات وأمور أخرى.
ومع كل هذا التدافع، والتداخل، والجري في كل الاتجاهات آثر الدكتور سعدون الدليمي وزير الدفاع أن يبقى على الحياد دون أن يقحم نفسه في معركة الترشيح، والانتخاب فضمن بسلوكه هذا حياد المؤسسة العسكرية التي يجب أن تبقى على الحياد في ظروف يمكن أن تزيد فيها التجاذبات في الشارع العراقي غير المستقر حد استخدام السلاح، وضمنَ أيضا أن لا تستغل الثكنات العسكرية، والمعسكرات خلافا للضوابط والقوانين العسكرية كمنابر أنتخابية قد تقود إلى التناحر بين المنتسبين في وضع معقد يحتاج فيه الجيش أن يعمل منتسبوه، ويقاتلوا فريقا واحدا ضد عدو غادر لئيم، وحاز في نفس الوقت تقدير الآخرين المنصفين الذين يوثقًون المواقف والسلوك لكل السياسيين والوزراء والمسئولين في سجلات ستفتح يوما أمام الأجيال القادمة، لتعرض حقائق مفادها أن في هذه البلاد وفي ظروفها الصعبة كان هناك من يضع مصلحة العراق قبل مصالحه الشخصية، وكان هناك من يحاول المساهمة في إخراج البلاد من محنتها دون التورط في حبال السياسة ودهاليزها الملتوية.
إن الواقع العراقي وملابسات إعادة بناءه ديمقراطيا، وخطوات تشكيل الجيش والمؤسسة العسكرية بحاجة إلى أشخاص مثل الدكتور سعدون يكونون قدوة في الإيثار، وتغليب المصلحة العامة، التي ترسي وحدها قواعد سلوك مهني لمؤسسة عسكرية لم يتعافى العراق من وعكته الحالية قبل شفائها من أمراض أبتليت بها عمدا قبل السقوط وبعده.
د. سعد العبيدي 9/12/2005