قتل قبل فترة قليلة من الآن تسع وأربعون جنديا من الحرس الوطني على طريق عام قرب مندلي، كانوا قد أنهوا دورة تدريبية يفترض أن يتمتعوا في نهايتها بإجازة اعتيادية يزوروا الأهل والأحبة ويتهيئوا من بعدها لحياة عملية حماة للوطن والمواطن من القتل والتدمير، فكان منحهم الإذن أو الإجازة ليلا لا يتفق والحس الأمني ولا يحول دون السؤال عن الذي يتحمل المسئولية؟.

وكانوا في معسكر مع غيرهم من جنود وقد توجهوا بعد انتهاء برامجهم التدريبية وحصولهم على الإجازة للاتفاق على المغادرة جماعيا فكان صعودهم إلى حافلات من نفس المعسكر وخروجهم بها أشبه بالرتل لا يدلل على وجود أية ضوابط أو سياقات إدارية ويثير في نفس الوقت سؤال عن الذي يتحمل المسئولية؟.

وجنود بهذا العدد أكملوا فترة التدريب من حقهم على الآمر الأعلى والجيش الذي سيخدمونه أن يرسل معهم دورية مسلحة، أو أن يسلح السيارات التي تقلهم، إذا لم يكن باستطاعته منعهم من الخروج في تلك الليلة، ومن حق أرواحهم التي زهقت أن تسأل من يتحمل المسئولية؟.

وإذا كان السيد الآمر غافلا، ومن بعده المساعد نائما، وضابط الأمن مطمئنا، وقد ترك المجني عليهم ذلك المعسكر على مرأى المنتسبين ودون موافقة الآمرين فعلى القادة في الجيش الجديد أن يسألوا عن أي جيش يريدون، وعن العلاقة العسكرية بين المافوق والمادون التي يودون، وعن الكيفية التي علم بها أهل الكمين بخط سير المنكوبين، وعن الوقت الذي استغرقه الكامنون للتحضير إلى جزر جنود غير محضوضين، وعلى العراقيين عسكرا ومدنيين أن يسالوا من يتحمل المسئولية؟.

وإذا ما تركنا قادة الجيش الجديد وتحسباتهم التي غابت مع غياب جيشهم، وتجاوزنا على مسائل الضبط والمعنويات التي انتهت، والقيم والمعايير العسكرية التي أهملت، وحاولنا العيش تخيلا مع الضحايا لحضات إنزالهم من السيارات مغلوبا على أمرهم، ورصهم على الأرض رغما عنهم، ومن ثم إطلاق النار عليهم من الخلف في غفلة منهم، عندها ستقفز من على ذاكرتنا أسئلة غير الأسئلة التي سألها الأهل والزملاء القريبين أو تلك التي لم يلحق أن يسألها المقتولين تتمحور حول الغاية التي يقتل من أجلها شاب توجه إلى الجيش وسيلة للعيش في ظروف القحط والشدة؟ وحول المدى الذي سيتجه إليه القتل وسيلة للتعامل مع الأزمة وفيما إذا كانت هناك بدائل توقف نزف الدم والمحنة؟ وعن وقوف أهل الدار وفرجتهم على ما يجري في محيطهم والبلاد، وعجز الحكومة عن إيقاف التصاعد في مستويات القتل العمدي للعباد؟ وفشل الأقمار الصناعية ووسائل الاستشعار عن بعد التي كانت تسجل حركة النملة في صحراء مقفرة قبل المجيء إلى العراق؟ وعدم فاعلية الأجهزة الأمنية التي شكلتها الحكومة في كشف الجريمة أو الحيلولة دون وقوعها وتفكيك الخلايا المسلحة؟ وعن المارة والمستطرقين وقيم الحمية العربية والتغني بالمجد وأيام زمان؟ وعن الأحزاب والحركات السياسية التي مازالت تتكاثر، وتتغافل، وتتآمر، ومن غرق من أعضائها في وحل الفساد؟

وغيرها أسئلة ليست مثل تلك الأسئلة التي عجز العقل أن يجد لها إجابة منطقية، فتوجه بدلا عن ذلك إلى الدعاء في أن يوقف الله العلي القدير بلوى القتل التي أصيب بها العراق منذ أكثر من ألف عام. ومع ذلك يبقى علينا أن نسأل سؤال: هل الدعاء وحده يكفي لإنقاذ ما تبقى من البلاد؟.         

د. سعد العبيدي                                                  30/10/2004