قبل أيام نشرت الصحف المحلية أن مجلس محافظة النجف عزل مدير شرطتها اللواء عباس عبد الكريم، ومنحه إجازة طويلة الأمد على أعتاب توترات أمنية في المحافظة، وقبل هذا حدث ما يشبهه في محافظة بابل التي تظاهر جمهور من أبنائها احتجاجا على عملية العزل التي لجأ إليها المجلس قبل عدة شهور، كما هو الحال في محافظات أخرى تكرر الأمر فيها أكثر من مرة بطريقة تتطلب التوقف عندها في ظروف البلد الأمنية المتردية، والاستهداف بالتدمير متعدد الجهات، لأنها طريقة توحي أن العزل يتم من قبل مجلس لا يرى الغالبية من أعضاءه أن هذا المدير أو ذاك مناسب لإدارة العملية الأمنية من وجهة نظرها التي تفسر الأمن امتداد لنفوذها والتابعين إليها، وتحجيم مقصود لنفوذ الآخرين إذا ما نظرنا إلى المجالس المنتخبة في الوقت الحاضر، ومراكز القوى في داخلها، وطبيعة الصراع الجاري فيما بينها لزيادة هامش الاستحواذ، والتأثير التي تعبر عن حالة تفضي إلى نفع ملموس لذوي التأثير في تلك المجالس، وضرر مضاف لآخرين  فيه، وخسارة جسيمة للعملية الأمنية التي تتأسس في جانبها السياسي على رضا الجميع واقتناعهم، واستعدادهم للتضحية، وقبولهم سلطة الحكومة قاضيا منصفا للجميع، وابتعادهم طواعية عن التآمر، والالتفاف، والصراع باستخدام القوة، وتفضي أيضا إلى تصدعات، وشروخ في جدران خطط الحكومة الأمنية لأن مساعي التوسع من هذا النوع ستسمح بسيطرة أصحابها على مديرية شرطة المحافظة كأداة ضبط أمنية، وقوة ردع مسلحة واستخدامها لأغراض الحصول على مزيد من التوسع والامتداد، وتحقيق المصلحة الخاصة للجماعة، والكتلة، والحزب، والطائفة على حساب المصالح العليا للعراق، وتفضي من جانب آخر إلى الحصول على فرصة التأثير على قيادة ومنتسبي تلك القوة باتجاه دفعهم إلى غض الطرف عن تحركات قد يقوم بها الأتباع المسلحون لأغراض التأثير وتعزيز النفوذ، الأمر الذي يثير الآخرين حتما ويدفعهم إلى التفتيش عن وسائل وأدوات مضادة سيكون السلاح هو المتيسر منها في وقت يغيب فيه العقل، وتنحسر الحكمة عندها ستتطور المواقف سلبيا، وستكون الأغلبية قد ساهمت في جر المحافظة ومن ثم العراق إلى خروقات أمنية، وربما اقتتال تحت عباءة الديمقراطية التي لم تنسج خيوطها بعد. 

إن العزل بعيدا عن سيطرة المركز أي وزارة الداخلية القادرة على التقييم الصحيح، وتقدير أوجه الخلل والإصلاح يعني اختيار بدلاء بنفس الطريقة، وعلى ذات الأسس الخاصة بالاختيار الديمقراطي تحت رغبة وتأثير الأغلبية التي تنتمي إلى كتلة أو مجموعة واحدة تسعى في تحركها السياسي والاجتماعي غير الناضج بعد إلى زيادة  أغلبيتها في المجلس حد السيطرة التامة على الجمهور وفق فلسفة الحزب القائد التي عاش العراق تحد مظلة ديمقراطيتها المركزية فترة تدمير طويلة.

إن مسألة الانتخاب الخاصة بقيادات شرطة المحافظات، وعزلهم التي تمسكت بها مجالس المحافظات العراقية كانت خطأ أوجدته سلطة الائتلاف يوم اعتقدت أنها ستبني عراقا بلباس الماضي على الطريقة الأمريكية التي يتبادل الإدارة في جميع ولاياتها حزبان وفي عراق الحاضر مئات من الأحزاب، ويتنحى رجال الكنيسة فيها جانبا، والقائمين على الجامع يقاتلون من أجل الدور الأعلى في قيادة البلاد، والولاء هناك إلى العلم الواحد، ويتجزأ هنا بين القومية، والعشيرة، والطائفة، والمنطقة وغيرها معالم اختلاف حضارية تجعل التحكم بعزل مدراء الشرطة، واختيار بدلاء لهم بهذه الطريقة المستنسخة كارثة ستحوّل قيادات الشرطة مستقبلا إلى مليشيات حزبية، إذا لم تبادر الحكومة بإعادة هذه المهمة إلى وزارة الداخلية التي تمثل سلطتها الفاعلة بعيدا عن تأثير الأحزاب.

د. سعد العبيدي         28/7/2006