لم يكن أحد قد أثار جدلا مثلما أثاره الزرقاوي في توجهاته الإرهابية في العراق، إذ نسج له الخيال القلق في عموم المنطقة، والعراق عدة وضعيات رآه البعض فيها وهما لا وجود له أو وجود خيالي صنعه الأمريكان لتمرير مشروع الفتنة الطائفية، وتبين في النهاية أنه موجود، وقُتلَ على أيدي الأمريكان بمعونة العراقيين. ورآه البعض وجودا زئبقيا لا يمكن الدلالة إلى مكانه ولا الاستدلال عليه أو كيان خارق يكون مرة في الغرب لينتقل في نفس الوقت إلى الشمال والشرق في يوم واحد متجاوزا كل السيطرات ونقاط التفتيش، وأجهزة التنصت ونقاط المراقبة، وتبين في النهاية أنه مثل غيره واقع في أوهام العظمة، وجنون البقاء، يمل ويتعب فيتخذ مكانا للراحة قابل للرصد، والاستهداف سهل قتله استخباريا في أول محطة للراحة بعد ضيق المكان، وشقاء الترحال. ورأته الأغلبية جزارا مهووسا بالقتل لمجرد القتل لا يفرق بين عراقي وآخر، يفتك بضحيته بطريقة لم تألفها الأقوام، ولم تمر عليها جميع الأديان يشم فيها رائحة الدم، ويقدم له جريانه تنفيسا لمشاعر العدوان، والمقت الذاتي للإنسانية لا يمكن أن يشفى منها ولا بعلاج الدين والقرآن فجاء مقتله بطريقة القصف خلاصا له من تلك المشاعر غير السوية، وخلاص للبشرية من مهووس قادر على تجميع والتقاط ما تبقى من مهووسين بالقتل في مجتمع رافقته الجريمة، وسبل القتل منذ ما يزيد على الثلاثة عقود.       

وصنفته الأقلية خارج العراق خاصة تلك القريبة من منهجه في استخدام العنف سبيلا لتحقيق مآرب السياسة الذاتية النفعية شهيدا فوضعت نفسها ومنهجها بتفسير الشهادة في إشكال فقهي يطلب المسلم المتدين على أساسه توضيحا لمعايير الشهادة في الإسلام ويضع أمامها عديد من علامات الاستفهام. ويطلب المسلم العلماني بسببه إعادة النظر بعلاقة الدين بالسياسة بعد أن اختلطت التفسيرات، والرؤى في أبسط معايير التفسير، ويضيف إلى ما وضعه المسلم المتدين من علامات الاستفهام مزيدا منها بنفس الاتجاه. ويطلب الآخرون من غير المسلمين على نفس الأساس إيضاحات لا تتعلق فقط بمعنى الشهادة في الإسلام، بل وكذلك عن سبل تعامل الإسلام مع وقائع الحياة، وعن جدواه في إدارة شؤون الخلق والبلاد، فيقعون دون مقاومة منعم ولا عناء ضمن مشاريع الجهات التي تخطط لوضع المزيد من العراقيل أمام تقدم الإسلام، والمسلمين في حرب حضارات سيخسرها المسلون بوجود التطرف والمتطرفين.        

لقد قتل الزرقاوي كما بُشر للقتلة في القتل على وجه العموم، ولم يعد نافعا الحديث عن آراء تتعلق بوجوده وبمقتله، ولا حتى بمصيره الذي لا يختلف عليه المنصفون والفقهاء، وما يهم العراقيين في مقتله أنهم قد تخلصوا من مرحلة كان الزرقاوي يمثل الجانب الأخطر والأسوء فيها من خلال المشاريع التي يطرحها في القتل سبيلا لتأسيس الإمارة الإسلامية المتخلفة على أرض العراق، والآراء التي ينادي بها لإثارة التفريق، والفتنة الطائفية لتكوين الإمارة الموعودة لما تبقى من القتلة والمجرمين، والسائرين على نفس الطريق والانتهازيين، والنافع في الحديث عنه في هذه الأوقات العصيبة من عمر العراق هو أن تناقش الدروس المستفادة من مقتله، وأولها إن خلفاء الزرقاوي وأعوانه سيختلفون فيما بينهم، وسيغيبون الواحد بعد الآخر، وسيبقى العراق. وأن القتل وإن طال أمده سينتهي مخلفا أحقادا يكون الجميع بسببها خاسرا في الميدان. وإن القتلة سيقتلون حتما وإن منوا أنفسهم وهما بحماية الإله الواحد الأحد، وحصنوها بطوق المال القادم من بعيد. وإن الإيغال بالقتل والعنف لا يحل مشكلة مع الحكومة العراقية، ولا يعوض خسارة، ولا يعيد ميتا إلى الحياة. وإن العراق سيعود يوما إلى سابق عهده عراقا آمنا، وسيقف القليل المتبقي من القتلة التائبين مع أنفسهم يعانون تأنيب الضمير، يذرفون الدمع على ما فات من أعمارهم ويقرون أنهم قد أخطئوا مع أنفسهم وأخطئوا بحق العراق.

د. سعد العبيدي        10/6/2006