لم ينقص العراق من أمر القتل، والدمار، والاغتيال الذي أرهق الدولة، وأخر النمو، وسحب الناس إلى حافة الحرب الأهلية إلا معركة سوف لن تكون الأخيرة بين عشيرتي، البهادل وعبادة دارت في مدينة العمارة يوم 12/5/2006. ولم ينقص الضبط العسكري المتدني، وتصريف شؤون الإدارة المتهرئ في الجيش، والشرطة إلا احتجاج مسلح  أثاره شرطي من قوة التدخل السريع في العمارة على نقله من قبل آمره الذي ينتسب إلى عشيرة أخرى غير عشيرته. ولم ينقص التخلف، والنكوص، وسوء التقدير الذي أعمى البصيرة في العراق إلا تدخل شيوخ العشائر طرفا في شؤون الأمن وأغلبهم لم يكمل الخدمة المكلفية في الجيش لأعتبارت التصنيف، والتكليف العشائري إبان حكم صدام، وطرفا آخرا في السياسة، ومعظمهم لم يقرأ كتابا خارج التلقين في الخلايا الحزبية التي أدخلوا إليها في زمن صدام، وطرفا ثالثا في التحكيم بين الجناة، وتسوية الخلافات، وسوادهم الأعظم لم يصلح لذلك قيميا بسبب رقصهم في حضرة السلطان صدام.

إن القتال الذي حدث في حي سكني بين العشيرتين المذكورتين يثر العديد من التساؤلات لا تتعلق بقضايا الضبط، وأسلوب التطويع، ونظام الحماية، وجدوى الحراسات، وغيرها أمور فنية لم يعد العراقي يتوقف عندها بسبب إدراكه لحقيقة عدم جدوى التوقف، بل وبأمور أخرى بينها الدور الذي يراد للعشيرة وشيخها أن يلعبه في عراق مفروض انتقاله من التخلف إلى التحضر، والعشيرة نظام متخلف يحول دون حصول ذلك، ومن الديكتاتورية إلى الديمقراطية، والشيخ المعول عليه طاغية مستبد لا يسمح بذلك ؟.

وبينها التعويل على الشيخ عنصرا فاعلا في الحزب والحركة، ومستشارا مرموقا في تنظيمات الوزارات الأمنية، وحضورا ملموسا في كل موائد الكسب، والانتخابات ؟  

وبينها أيضا تقريبه أي الشيخ والعشيرة أحد الأعمدة المرموقة لإعادة البناء الاجتماعي المخرب  وبيده معول التهديم الذي أخرجه منها في كل المجتمعات البشرية؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات، وأخرى غيرها لم يعد صعبا ومحور التحرك ذو صلة بالعملية السياسية التي يريد أطرافها كسب الأصوات على حساب الحاضر من العراق والمستقبل، وفي خضم سعيهم للكسب لا يستثنون الشيخ الذي يعدهم بآلاف أو حتى ملايين الأصوات لمستوى صدق غالبيتهم  مداهنته، وأعلن قبل ظهور النتائج أن المصوتين له عدة ملايين.

وذو صلة أيضا بالعملية الأمنية التي يود المعنيون بها السيطرة على المتغيرات المؤثرة فيها، وضبط جوانبها في الوقت الحاضر على حساب المستقبل الذي ستنفتح فيه الكثير من الثغرات في الأمن النفسي والاجتماعي التي لا تستطيع الأجهزة الأمنية بمفهومها الحالي للتعامل مع الخرق، والتجاوز من السيطرة عليها وإن امتلكت مزيدا من الأسلحة ووسائل المراقبة، والتشويش. 

إن شيخ العشيرة وجمهوره لا يصلحان للمشاركة في العملية السياسية باعتراف السياسيين الذين عولوا عليهم بالانتخابات الأخيرة بعد أن تبين لهم أن أولئك الشيوخ قد وعدوا غيرهم، وقبضوا الثمن المدفوع مسبقا كما قبضوا منهم. ولا يصلحان طرفا في المعادلة الأمنية لأن صدام قد أوصلهم إلى التعامل مع الموقف الوطني على وفق الدفع المادي، وبسببه ستبقى جيوبهم مفتوحة يوم لا تجد من يصب المزيد فيها سيقوموا، وأزلامهم بزرع عبوة ناسفة، أو هدم برج  كهرباء، أو تفجير أنبوب نفط. من هذا يمكن القول أن قتال العشيرتين أعلاه مؤشر خطير، ينبغي التأسيس عليه في التنبه إلى الدور المنوط لشيخ العشيرة قبل أن يزحف العديد منهم لتشكيل أمارات حرب بدعم من خارج العراق.                    

د. سعد العبيدي            13/5/2006