في المجتمعات التي تمارس الديمقراطية سلوكا عاما في الحياة يكون الأمن مكفولا بصيغ، وتشريعات، وسياقات أوجدتها الديمقراطية عبر عشرات السنين من العمل والكفاح تحول دون التجاوز على حرية الإنسان وحقه في إبداء الرأي والاختيار، ولا على راحته، ومساعيه في ممارسة شعائره، وعباداته، وتحقيق ذاته، وأمنه النفسي والاجتماعي ، وفي تلك المجتمعات أيضا يكون الأمن أو بالمعنى الأدق أجهزته المتعددة الكفوءة الحامي الحقيقي للديمقراطية من نزوات بعض الحكام، وفساد ذممهم التي يمكن أن يؤدي حصولها إلى تقيد المجتمع، وتحطيم ركائزه الديمقراطية، ومن الإرهاب، وأعمال العصابات التي يمكن أن يؤدي تكرار حصولها كثيرا إلى اتخاذ إجراءات تقيدْ حرية الإنسان وتضعه في موقف المُراقب أو المُتابع طوال الوقت وهو الأمر الذي يتنافى والمعايير الإنسانية للديمقراطية، وهي كذلك تحمي من التسميم الفكري، والتوجه العنصري الذي يقود استشراءه في المجتمع إلى الاستخدام المنظم للعنف، والتجاوز، والانحراف عن معايير الوطنية والولاء الأسمى للبلد، من هنا يمكن القول أن الديمقراطية والأمن طرفا معادلة للاستقرار يؤثر كل منها بالآخر ويتأثر به وبما يضمن حصوله أي الاستقرار، والتقدم، والرضا، والرفاه التي تنشده البشرية.
وفي مجتمعنا العراقي الذي نأخذه مجالا للمقارنة في عديد من الأمور نرى أن الديمقراطية المنشودة لم تأخذ فرصة للنمو الطبيعي زمنيا وفكريا تساعد فيها الإنسان العراقي إلى النضج، والتخلص من أعباء الديكتاتورية وأدرانها، وتفسح أمامه الطريق لأن يسن قوانين الأمن الملائمة للديمقراطية، وينشئ أجهزة قادرة على تطبيق تلك القوانين بمهنية، وحيادية تصون الديمقراطية في مجتمع متعدد المذاهب، والأعراق مثل العراق الذي حصل فيه فرض وجوبي للديمقراطية عن طريق التغيير بالقوة من قبل أجنبي سلم مقاليد التطبيق اللازم لمعطياتها النظرية إلى العديد من السياسيين العراقيين الحالمين بمجتمع خال من أجهزة أمنية طالما حملوا عنها في دواخلهم عديد من الخبرات السلبية التي تكونت في غرف تعذيبها القاسية، وخال أيضا من عسكر قوي مقتدر اعتقدوا أنه من دعم الدكتاتورية في ظلمها الشعب لأكثر من ثلاثة عقود متتالية، حتى سعوا لاشعوريا إلى التقليل من أهميتها فأنتجوا أو أجبروا على أنتاج جيش غير مكتمل العدة والعدد ولا يتناسب مع طبيعة التهديدات الخارجية والداخلية، وتعمدوا إسقاط فرض الحاجة إلى جهاز أمن داخلي قوي يمكنه التعامل مع الخروقات الداخلية فكانت أولى بدايات الاختلال المنطقي لطرفي المعادلة الخاصة بالاستقرار الذي مهد إلى الفوضى، والاضطراب، وأخل بتطبيقات الديمقراطية وربما بدد أحلام السياسيين، وباقي العراقيين من إمكانية تطبيقها في المستقبل القريب، وعليه يمكن القول أن ديمقراطية العراق الموعودة لا يمكن أن تتحقق بلا أمن يحمي وجودها، وإنها في نفس الوقت لا يمكن أن تتحقق عن طريق النسخ، والقفز على الزمن وعلى معطيات الحراك والنضج الاجتماعي، وإن الأمن الذي يفترض أن يحميها لا يمكن أن يتحقق بطريقة الترقيع الجارية في وقتنا الراهن بل وبتعريق المسئولية الأمنية، وتطبيق إجراءاتها بأسلوب الحزم، وفرض قانون الطوارئ الفعلي، وتطبيق القانون بالقوة، وتنفيذ قانون مكافحة الإرهاب، وإعادة النظر في الإدارة العامة للدولة والمجتمع، وإنشاء أجهزة أمنية مقتدرة غير مسيسة، وإعادة هيبة الجيش العراقي وتعزيز قدرته على الحسم بعيدا عن الحزبية والطائفية، وبعكسها أو في حال المضي بذات السياسة الخاصة بالترقيع سيجد القائمون عليها، والداعمون لها من الأجانب وعموم العراقيين من الوطنيين والعقلاء أنهم يبحرون في سفينة يحول الشرخ في جدارها دون الوصول إلى شاطئ الأمان.
د. سعد العبيدي 3/11/2006