الأمن واقع للعيش يكون فيه الإنسان الفرد والجماعة أقل عرضة للتهديد، الأمر الذي يعني من الناحية النفسية خفض التوتر لمستوى الشعور بالاطمئنان، وهذا واقع عند حصوله يدفع إلى العمل والتعامل بقدر مقبول من التوازن يسمح باستثمار المعنيين جل طاقتهم المتاحة لتأمين حاجات الحياة الرئيسية تحت أقل المستويات من الضغوط، فيكون سلوكهم في معظمه مؤطر بالتوجه للعمل والاستعداد للتضحية، وارتفاع المعنويات، والأمل بمستقبل أفضل أي استعداد لتحقيق فعل الانجاز الذي تتوقف عليه عملية الإعمار. والعكس صحيح إذ أن اضطراب الأمن يدفع إلى استنزاف الطاقة والاحتياطي الموجود منها في بعض الأحيان لتجاوز ما ينتج عن الاضطراب من ضغوط، فيكون السلوك في حالتها على الأغلب مشوبا بالقلق واجترار الأفكار، ومن ثم التعب والاكتئاب، وقلة التركيز وتدني مستويات الأداء أي مصاعب في تحقيق فعل الانجاز يحول دون الشروع بعملية الاعمار.

والإعمار مفهوم في العراق أرتبط " من الناحية النظرية على اقل تقدير" بمساعي إعادة بناء ما تهدم في عموم البلاد إثر الحرب الخليجية الثالثة"الأخيرة"، ويعني ذلك الجهد الذي يبذله العراقيون في الداخل، ويدعمه المانحون في الخارج لتهيئة المال اللازم والخبرة الملائمة لإعادة فاعلية البنى التحتية التي دمرتها الحرب أو قسم منها يلاءم وضع العراق في موقعه السياسي الجديد. وهو مفهوم يرتبط تنفيذه من الناحية العملية بالوجود الحتمي للشركات أو فروع منها في الداخل، وكذلك بتعدد المصارف ورؤوس الأموال، وحرية  العمل والتنقل في عموم البلاد، وتيسر الخبراء، وفتح الأسواق، وتقبل الناس في الداخل لمن يأتي من الخارج، وغيرها عوامل أخرى يعني وجودها من وجهة نظر الخارج تحقيق فعل الإعمار الذي يحسن مستوى الدخل، ويوفر قدرا من الرضا والاستقرار يسهم بطبيعته في الابتعاد عن فعل الخطأ وخرق معايير الأمن العام بنسب ليست قليلة، والعكس من ذلك صحيح إذ أن التلكؤ في عمليته يعني بقاء العراقيين تحت ضغوط العوز المالي، والانفعالات النفسية السلبية، والشك، والإحباط، والعدوان، وعدم الرضا وغيرها ضغوط يؤدي العيش تحت وطئتها إلى إثارة التوتر والإخلال بالأمن. من هذه المقدمة البسيطة عن الأمن والإعمار نصل إلى قناعة أن هناك في وقتنا الراهن معادلة "نظريا" أحد أطرافها الإعمار وطرفها الآخر الأمن، يصعب تحقيق أحدها دون الوجود الفعلي للآخر، وبمعنى أبسط أن هناك علاقة ترابطية بين الطرفين بسببها يكون الإعمار منتج للأمن ويكون الأمن الأساس في تحقيق عملية الإعمار.

وهذه علاقة على بساطتها أوقعت المجتمعين في طوكيو من الدول المانحة بداية هذا الشهر في حيرة من أمرهم إذ أن الواحد منهم لا يقبل المجازفة بصرف أمواله منحا أو قروضا أو استثمارات ولا بأرواح ناسه الذين سيشرفون على بعض جوانبها في مجتمع مضطرب أمنيا، وهو في عدم قبوله هذا محق، لكنه في مواجهة الطرف العراقي الذي يؤكد أن الحاجة ملحة إلى الأموال بهدف الشروع في عملية الإعمار التي توفر فرصا للعمل وإنعاش الاقتصاد، ستخفف حتما من التوتر والاضطراب الأمني، والطرف العراقي محق هو الآخر، لكن الأمر الذي لم يكون فيه المانحين محقين هو أن هناك مناطق في العراق بعيدة نسبيا عن المشاكل، يمكن أن يشرعوا في إعادة إعمارها لتكون حافزا لأبناء الأخرى المتوترة ليحذوا حذوها ويتوجهوا هم أيضا إلى الاستقرار فتكون عندها خطوات إعادة الإعمار المجتزئة قد أسهمت في تحقيق قدرا من الأمن لم تستطع المدافع تحقيقه لما يقارب السنة والنصف من القتال.             

د. سعد العبيدي                  18/10/2004