وإن حسمها السيد السامرائي رئيس مجلس النواب في تصريحات له بقصر المؤتمرات بعدم وجود مشروع لتمديد فترة البرلمان وتأجيل الانتخاب، لكنها توجهات لبعض أعضاءه الطارئين على مقاعده طفت على السطح مع قرب أنتهاء ولايتهم التي قد تكون الأخيرة في تاريخهم الشخصي وتاريخ العراق الحديث، وهي مؤشرات في واقع الحال ظهرت من على الذاكرة، لم يستطع أولئك البعض أي أعضاء البرلمان المطالبين بالتمديد من كتمانها في خلايا عقولهم التي أمتلئت بكثر المكبوتات الانفعالية والمعاناة الشخصية، يبين ظهورها في هذه الفترة الزمنية:

أن الحالمين بها غير واثقين من أنفسهم بالفوز ثانية في طريق التجديد لدورة ثانية، وهم غير واثقين ايضا بأحزابهم وكتلهم السياسية، ولا بالجمهور الذي صفق لهم قبل أربع سنوات من الآن ووضع فيهم ثقته المطلقة في التغيير وإعادة البناء، وعدم الثقة هذا لم يأت من فراغ، ولا علاقة له بالشخصية العراقية غير الراضية عن واقعها، بل وبالتقصير واضح المعالم في عمل البعض من هؤلاء الأعضاء، وبسلوكهم المطلبي الذاتي خلال أربع سنوات أمتلأت فيها سلة المطالب الشخصية وتاثرت فيها خزينة الدولة العراقية برواتب لهم زادت أكثر من مرة، ومخصصات تضاعفت أكثر من مرة، وحمايات تضخمت أعدادها أكثر من مرة، وغياب لهم في الملمات والمصاعب هو الآخر أكثر من مرة حتى وضعوا بسلوكهم هذا وكثر مطالبهم هذه الكثير من مؤشرات السلب في عقول العراقيين الذين يتوقون إلى قرب الانتخابات لأختيار غيرهم يصلح لتمثيلهم لا تمثيل نفسه وحزبه، ويدافع عن أهدافهم في العيش الآمن السليم لا عن مكاسب وقضايا شخصية، ويسعى لتشريع يحسن وضعهم الاقتصادي لا عن آخر يركز على المطالب الذاتية، ويحضر عنهم كل أجتماعات مجلس النواب، لا يغيب لمجرد حصوله على دعوة من جمعية مغمورة خارج العراق أو يتعالى عن الحضور مستهزئا بمن يحضر من باقي النواب.

ويبين هذا التنطط للأفكار الذاتية المصلحية، أن مثل هؤلاء جاءوا الى البرلمان بطريق الخطأ المرحلي للأختيار، وإنهم لم يفهموا الأصول الديمقراطية حتى الوقت الراهن، لأنهم بمطالبهم هذه يخلّونَ بأسس الديمقراطية التي تبنى على الأنتخاب وسيلة لأختيار الأنسب في التمثيل لكل فترة زمنية محددة دستوريا، وأنهم لم يتخلصوا من ثقافة الاستعباد والديكتاتورية الموجودة في عقولهم حتى الوقت الراهن، لأنهم يريدون مثل أي حاكم مستبد أن يبقى على كرسيه خالدا ينظر الى الجمهور نظرة أستخفاف، معتقدا أنه القادر وحده على تحريكهم  بالاتجاه الذي يريد.

والأهم من هذا وذاك أن المطالبين بالتمديد أو حتى الحالمين بحصوله لا يفقهون معنى العيب في العرف السياسي ولا الخشية والحياء في التقليد الشعبي، لأنهم بمطالبهم غير المنطقية هذه لم يحسبوا ردود فعل الآخرين من العراقيين المتحفزين لأنتخاب غيرهم في الدورة القادمة للانتخاب ولم يخجلوا منها، ولم يضعوا بأعتبارهم معاناة الآخرين من بين العراقيين الذين يسعون لأختيار من يستطيع أن يخلصهم من هذه المعاناة، ولم يعيروا أهتماما لمشاعر العموم من المواطنين العراقيين الذين صدموا بأداء مثل هؤلاء وكثر مطالبهم حد الجوع النفسي والجشع الاجتماعي غير المحدود.

إنها قضية تضاف الى باقي القضايا التي أظهرت رداءة معدن البعض من الأعضاء الذين يهرولون إلى الأمام باتجاه واحد لأقتناص فرص التحصيل والاستحواذ، وأظهرت في نفس الوقت جودة معدن البعض الآخر من اعضاء هذا البرلمان الذين جاهروا بوقوفهم المضاد لمثل هكذا توجهات وأخرى غيرها، وأبقت موضوعهم ودقة الانتخاب مفتوحا أمام العراقيين، لإعادة أنتخاب من بينهم برلمانيون ثبتوا أنهم حقا من المعدن النفيس أو من غيرهم يستطيعون فعلا أن يخدمهمونهم والعراق في الدورة القادمة التي لا تبعد كثيرا من الآن، وهو الموضوع الذي لا ينبغي أن يحصل فيه أي تجاهل لأسقاط الرديئ شخصا كان أم حزبا أم تجربة للأنتخاب بسلاح الديمقراطية الذي أمتلكه العراقيون مكسبا عظيما من محنة التغيير.


                                                                               د. سعد العبيدي

                                                                                27/4/2009