ليس غريبا على المُشرع الأمريكي ان يخطأ في التقدير وصياغة القوانين والقرارات فهناك الكثير منها جاء بأسلوب الخطأ عبر تاريخه في التعامل مع الأزمات والمشاكل الخارجية على وجه الخصوص، لكن الغريب في مجاله هو التوقيت الخاص بطرح قرار تقسيم العراق إلى ثلاثة فيدراليات على أساس طائفي عرقي في ظروف ما يزال القتال فيها مستعرا على ساحته الداخلية لمكافحة الإرهاب، وما زالت العديد من الأهداف المعلنة لهذا القتال لم تتحقق بعد، وما زال العراقيون في بداية طريقهم لإعادة بناء دولتهم التي دمرتها أخطاء القادة الأمريكان.
ومع هذه الغرابة في صياغة القرار غير الملزم وتوقيت إعلانه الذي حاولت الحكومة الأمريكية تجاوزه والتقليل من شأنه فإنه يعبر عن وجود تصور لدى المُشَرِع الأمريكي ديمقراطيا كان أم جمهوريا حول التقسيم كأحد الحلول التي تفضي إلى تهدءة مؤقتة يمكن أن تسمح لهم بسحب القوات دون تحمل أية مسئولية أعتبارية واخلاقية نتجت عن الإحتلال، ويعبر ضمنيا عن رسالة إلى الساسة العراقيين بوجود حلول يمكن أن تفرض عليهم من الخارج إذا لم يتفقوا على أخرى تمهد إلى التهدءة الكافية لسحب القوات، ويعبر كذلك عن إحتمالات مدروسة لديمومة فوضى في عموم العراق أشرت عديد من الأعتبارات انحسارها ولو نسبيا في الجوانب الأمنية قد تؤدي إلى حرب أهلية فعلية تلبي أهداف دولية تلزم بسحب القوات.
إن موضوع التقسيم إلى فيدراليات ثلاث لم يكن جديدا بل هو موجود في أدبيات وأهداف كتل وأحزاب عراقية ترى فيه حلا لتجاوز عدم رضى البعض عن ما آلت إليه الديمقراطية، طرحته على طاولة التحاور أكثر من مرة وما زالت تطرحه حلا ممكنا بشروط محددة، لكنه موضوع يستحق التوقف عنده كثيرا لمحاولة فرضه من الخارج قبل نضوج تقبل فكرته في الداخل وبأسلوب الأمر الواقع الذي يثير بطبيعته مشاعر الخسارة عند البعض من الطوائف بمستوى يدفعها إلى القتال والأستعانة بالغير لديمومة القتال من أجل التعويض عنها أو تقليلها جهد الإمكان، ويثير في نفس الوقت الإحساس بالربح والقوة التي تغري البعض الآخر باللجوء إلى القتال المدعوم من الغير أيضا كوسيلة مناسبة لتوسيع هامش الربح والأمتداد إلى كل الأتجاهات، حتى تجد بعد حين جميع الأطراف التي أريد لها البقاء في بقعة أرض معرفة طائفيا وعرقيا أنها قد سُحبَت إلى قتالٍ أستمر عشرات السنين، ليكتشفوا بعد إنهاكهم وتدمير حضارتهم أنهم قاتلوا قتالا فيه جميعا من الخاسرين، وقاتلوا عن وهم الطائفة الذي تجاوزته الأقوام الأخرى منذ ما يقارب الخمسة قرون، وكذلك عن وهم القومية الذي أنتهى في نظام دولي وعولمة تلزم العالم على التحرك والأنتقال والأستثمار في عالم مفتوح للجميع، ويكتشفوا أنهم قد استخدموا أدوات لتحقيق أهداف ومرامي مشبوهة، فيعاودوا المناداة بعد فوات الأوان بعراق واحد للجميع.
إن طرح موضوع التقسيم خلال هذه الفترة الزمنية لم يكن جزافا في السياسة الأمريكية، ولم يحدث بالصدفة، على الساسة العراقيين أخذه بنظر الأعتبار والتوجه بدلا من التباكي والأستنكار الظاهري لكسب الجمهور المتعب إلى التوقف عن التلاعب بعواطفه عرقيا وطائفيا، والسعي الجاد إلى حل المشاكل المستعصية بينهم عن طريق التنازل المتكافئ والألتقاء في الوسط لضمان تقوية مواقفهم وبرلمانهم بمواجهة مشروع التقسيم المذكور ومشاريع أخرى ستطرح مستقبلا طالما بقوا على حالهم متنافرين.
د. سعد العبيدي 29/9/2007