في المجتمع العربي الذي يتداعى الحكام فيه مثل قطع الدومنو، مشكلته أو المشكلة فيه هي إصابة غالبيتهم بداء الذات المفرط، الذي يجد الواحد منهم بسببه أنه الأحسن والأنسب، فيندفع مستمرا بتغيير القوانين التي تدعم أستمراره، وتهيئة الظروف المناسبة لبقاءه، وتكوين المريدين المصفقين لوجوده، والأجهزة الأمنية والعسكرية الحامية لكيانه، حاكما أوحدا إلى الأبد فيتسبب بخلق المزيد من الأعداء وتكوين حالة غضب بالضد منه تتراكم في العقل الجمعي حدا يبدأ فيه الطفح حتما مع سنوح الفرصة المناسبة، وهي مشكلة من جانب آخر في أستمرار قبول ذلك الحاكم بمعتقداته المشكوك بصحتها من قبل المجتمع المحكوم، مسلمات لا يمكن نقدها أو تقويمها ولا يمكن أنتاج آليات مؤسسية قادرة على تصحيحها، فيتسبب في تكوين حالة نقد جارح وذم فاضح خارج الإطار المؤسسي كوسيلة وحيدة لإخراج الطفح المكبوت على شكل إنفعالات عدائية ضد الحاكم ونظامه مع سنوح الفرصة المناسبة.
إن الحكام العرب وبالإضافة إلى إصابتهم بذاك الداء، يجهل غالبيتهم طبيعة إنسانهم الذي يحكمونه، فيصدقون تصفيقه وهو من الداخل متشنج، ويؤمنون بمدحه وهو في الرأي متوتر، ويطربون على رقصه وهو في توجهه كاره، وبالنتيجة يستمرون في إعتقادهم بصحة آرائهم وأساليبهم في إدارة شؤونه، فيمنعون سعيه لإفراغ الوعاء العقلي للغضب بالطرق الديمقراطية التقليدية قولا للحقيقة ونقدا للخطأ وتعبيرا عن الرأي الصائب، لأن جميعها لا تنعش ذاتهم المريضة، عندها لايجد المحكوم بعد فترة طويلة من الكبت والتجميع من وسيلة ملائمة للافراغ المحتوم سوى التمرد والاحتجاج والمطالبة بالتغيير نحو حياة أفضل ولو بالقوة. وغالبيتهم يجهلون أيضا وقع الحياة وطبيعة السياسة التي تحكم عالم اليوم، عولمة تتطلب أن تقترب فيها المجتمعات من ذات الوقع السريع في التحرك والانفتاح في الرأي، والتبادل المعلوماتي، والأنتقال الواسع للتجارة ورأس المال، وجهلهم هذا مع إصابتهم المرضية بذاك الداء أبقى وقع حركة مجتمعاتهم بطيئة لا تنسجم وحركة العالم المعولم، فتكون وضع متأرجح قلق خلق الفرصة المناسبة للتفريغ السريع بمخرجات سلوك أستهدفت الحاكم نفسه مصدر الاعاقة والانفعال.
إن وقع الحياة البطيئ هذا أي التخلف عن الركب العالمي في المنطقة العربية بات واضحا ملموسا يتحسسه الشباب المتأثر بالثقافة العالمية ووسائلها الايدلوجية المعولمة والذين لم يجدوا من وسيلة للتسريع واللحاق بالركب سوى التغيير الجذري السريع، وإن كان مكلفا في غالبية الأحيان. وهو بطئ وواقع حال مزر مكبل بالانحياز والتفرد والظلم والتخلف والاعياء، يتحمل مسئولية حصوله الحاكم الذي لم يطور معرفته السياسية والاجتماعية ولم يكبح جماح أناه الغريزية في السيطرة والكسب والاستعلاء، ويشاطره في هذه المسئولية مناصفة وربما أكثر من النصف بكثير، ذلك المحكوم الجاهل المهزوم الذي أيد معتقدات الحاكم بدون فهم، وأكبر فرديته بدون وعي، وغض الطرف عن أخطاءه بدون حياء، فكونا سوية طريقة هذا الواقع البائس والتحرك البطيئ.
إن ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وما سيحدث لا حقا في عموم الدول العربية لو تجاوزنا في موضوعه مسألة المؤامرة ونظرنا إلى مجرياته من زاويا العولمة ومتطلبات التجانس النسبي في وقع الحركة نجد الصورة أكثر وضوحا وأسهل أستيعابا للحاكم المطلوب منه سرعة تفكيك الغضب وإعادة تنظيم طريقة التفريغ الانفعالي ليكون ديمقراطيا صحيحا عن طريق الانتخاب الجدي وعدم التفرد بالحكم الفعلي والتداول السلمي للسلطة، وإعطاء المجال لمؤسسات المجتمع المدني المحايدة في أن تعمل بحرية، ووسائل الاعلام المستقلة في أن تعبر بموضوعية، مع التنازل عن فكرة الحاكم المناسب حزبا كان أم شخصا، وفي حالتها فقط سيجد المجتمع وبضمنه الحاكم أنه يتحرك بسرعة ووقع يتوائم مع حركة العالم الآخر وتحضره التي لا يمكن القفز من فوقها بحجج الدين والقيم التي لا تجدي نفعا مع شباب يتواصلون فيما بينهم بوسائل وأدوات لم يعد الحزب القائد والحاكم الضرورة مسيطرا عليها ولا متحكم بمخرجاتها. وبعكسه سيكون البطئ والتخلف أحد أهم عوامل التفريغ السريع لإنفعالات تفضي إلى السقوط المحتوم.
د. سعد العبيدي
26 شباط 2011