لا أحد ينكر حاجتنا نحن العراقيين إلى محاكمة نظام البعث، وصدام اللذان أخطئا بحق العراق، وتسببا في كل ما أصابه من حيف، وتخلف، وهتك، وشقاق، وظلم، وقتل، وتشريد، وحروب، ومحاباة، وفرقة، ووجود أجنبي، واستباحة حرمة، وخرق للقيم، وتحوير للمفاهيم.

ولا أحد يكره مشاهدة ذالك اليوم الذي تسدل فيه المحكمة الستار على حقبة من الماضي تطوى فيها الأخطاء مع أحكام عادلة حاسمة على السلوك الخطأ لا علاقة له بالأسماء، والمسميات تنهي حقبة غدرٍ من الزمان، وتمهد لأخرى فيها أمل بالعيش الأفضل في هذا الزمان.

ولا أحد يختلف على إن صدام ومن معه من القادة القريبين قد أخطئوا بحق العراق، وقتلوا الآلاف ليس في الدجيل فقط، بل وعبر مسلسل طويل من أعمال الغدر، وانتهاك القانون انتهت في 9/4/2003، لا تحتاج جميعها إلى شهود وأدلة إثبات.

لكننا نختلف وهيئة المحكمة في إطالة أمدها رغم المسوغات القانونية للإطالة بعد أن تحولت من محكمة جنائية إلى مضمار صراع بين الأمل في جديد يكافح لإرساء قواعد الحداثة، والديمقراطية وبين قديم يسعى لتثبيت صحة الديكتاتورية وسط ساحة لم تتطهر من أدران الماضي، ومن العنصرية، والطائفية.

وإلى حلقة لعرض الأفكار، واستعراض المواقف، وإثبات التحدي، والتفوق، والأحقية في حكم البلاد في ظروف لم يستطع الشعب العراقي حتى وقتنا الراهن من إثبات أهليته في حكم نفسه والبلاد.

وإلى ميدان لنقل تناقضات العالم العربي، وهواجس أبناءه ومخاوفهم من حكامهم، ومن الأجنبي إلى الساحة العراقية، يرفع فيه المحامي المصري صوته هستيريا على هيئة المحكمة، وهو الذي لا يستطيع فيه أن يتمتم بصوت الباطل على أرض مصر، وتتطاول فيه المحامية اللبنانية على المحكمة، والقانون العراقي، وهي التي تعرف جيدا أن التطاول على القانون في لبنان جريمة تودعها السجن، وتسحب منها إجازة المحاماة، ويستعرض فيه القطري أصول القانون، وشرعية المحكمة، وتبعية القرار، متجاوزا على تاريخ العراق وحضارته، وإنسانية أبناءه، وهو الذي لا يتمكن في قطر من البوح بكلمة تمس الوطن، وطبيعة القرار.

وإلى ساحة يثب فيها المتهم الأكثر جرما صدام يمني نفسه بديمومة الرئاسة، وصحة الانتخاب، وأيام العز، والعظمة، ومن بعده الشقيق برزان يحاضر في الأخلاق، والعدالة، والديمقراطية في استعراض مبرمج لعنجهيتهم المعهودة، وسطوتهم المعروفة محاولين إهانة المحكمة، وتصغيرها أمام العراقيين على أمل الطعن شعبيا في قراراتها، والضغط باتجاه الخلاص من حبل المشنقة.

أدوار يتبادلونها، ومتفرجون يتشوقون لمشاهدها، وكثير هم الذين يدركون عواقبها، ويفهمون أنها محاولة للطعن في شرعية المحكمة أملا في نقلها إلى الخارج من جهة، ونقل كل تناقضاتهم ومخاوفهم إلى الداخل أي الساحة العراقية من جهة أخرى، عسى أن تضطرب كما حصل سابقا في لبنان، وأن تصبح مباحة لكل أفعال القتل والتدمير، ومن ثم التمهيد نفسيا إلى التعميم بقبول فعل صدام كواحد من تلك الأفعال التي يرتكبها آلاف وسط الفوضى والاضطراب.

إنها إطالة لم يألفها العراقيون باتت تشكل مشهدا مثيرا للتندر والاستهزاء، وحدثا يحرف الحقيقة، ومعنى يبتعد عن الغاية المطلوبة، وصراع قد تخسر فيه المحكمة هيبتها، وسيطرتها وسط شلة من المشاغبين.      

د. سعد العبيدي                     26/5/2006