عانى العراقيون بؤس الديكتاتورية، فتمنوا التغيير وأيدوا الجهد المبذول لحصوله بأية وسيلة متاحة، فاستحقوا الديمقراطية طريقا لانصافهم وإزالة غبار السنين. ووضعوا أيديهم بأيدي الساسة الساعين إلى التغيير من الخارج وانسجموا مع خططهم وبرامجهم، وقاتل البعض في صفوفهم، فاستحقوا التقدير أمنا واستقرارارا يعيدهم إلى الماضي البعيد من السنين. ووقفوا على الحياد بين الاجنبي وأدوات الحاكم الظالم إيام الحرب، بل وصفق البعض غير القليل منهم مرحبين به منقذا لهم، فاستحقوا التمتع بما تم تخصيصه لإعادة الإعمار وتجاوز شظف العيش وعوز السنين. وأنتظم شبابهم طوابير طويلة على أرصفة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية للتجنيد في الشرطة والجيش الجديد غير آبهين كثر التفجير والاغتيال، فاستحقوا بوقفتهم وفاء الدولة والمجتمع وبما يعينهم على التخطي الفعلي لغدر السنين. واستسلم غالبية الضباط وضباط الصف والجنود من الجيش العراقي السابق لإعالتهم عن طريق المنح المؤقتة لأربع وعشرين شهرا مستمرة، فاستحقوا بدلا من أوسمة صدام الزائفة وسام الصبر على قسوة السنين. وهكذا كان الحال إنتضارا أقرب إلى اليأس منه إلى الأمل بحياة أفضل بالنسبة إلى المتقاعدين، ومتضرري النظام السابق، وعوائل المفقودين والشهداء وخريجي الكليات والمعاهد من الشباب، فاستحقوا على هذا الانتظار إلتفاتة الحكومة لحالهم المتردي أملا في أن يستعدوا إلى ما تبقى من السنين. وسكت منتسبوا الوزارات عن ما يجري في وزاراتهم من تجاوز وتقصير وفساد ومحاباة لرفاق الحزب والحركة وأبناء العشيرة والأقرباء، وكذلك فعل المتفرجون على النهب المخطط للمال العام، وعلى التخريب العمدي لأملاك الدولة ومؤسساتها، وعلى التفجير في الأماكن العامة، وقتل الجندي المسئول عن الدفاع، والشرطي المعني بالأمن، واختطاف الجار، وتهديد الصديق، وترويع الطفل، واغتصاب الفتاة، وتسلل الأجنبي، فاستحقوا على سكوتهم هذا لوم الذات أو جلدها كل السنين. والأهم من هذا وذاك أنسجموا مع الخطط الموضوعة لإعادة بناء دولتهم التي تهدمت أركانها، ومجتمعهم الذي تصدعت أعمدته، وسارع حوالي 60% منهم إلى المشاركة في الانتخابات التي يفترض أن تمهد إلى المرحلة الأخيرة من حكمهم لأنفسهم، وتابعوا نتائجها وتطبيقاتها فصدموا من تباطئ وتائرها، والتناقض الحاصل في مصالح المعنين بها، وبما يجري في الغرف المغلقة لبعض قادتها، فحق لهم أن يستفسروا عن مآلها، وعن استحقاق التعرف على طبيعتها، وعن هامش الذات الذي يحكم السلوك العام لبعض افردها، وعن مستقبلهم والعراق الجريح لما تبقى من السنين.

إن مسألة الاستحقاقات التي كثرت أعدادها في الجعبة العراقية تدفع إلى جملة استنتاجات بينها أن الاستحقاق وإن يتم تجاوزه في العقل الواعي أحيانا إلا إن انفعالاته لا تلغى من الذاكرة البعيدة، وستبقى أحد العوامل المؤثرة في تحديد السلوك. وإن عدم الايفاء به يُجَمع تلك الانفعالات السلبية على شكل مكبوتات يمكن أن تظهر في الوقت المناسب كمحركات ودوافع قوية لسلوك تدميري أو مضاد لمن حال دون الوصول إلى الاستحقاق. وبينها أن الشارع العراقي الذي أتهم بالمهادنة والسلبية لأكثر من ثلاثة عقود سوف لن يكون كذلك بعد أن أدرك غالبية أبناءه فداحة الثمن وأحس معظم المتجولين على أرصفته طعم الحرية بعد التغيير، ولن يكون ممكنا استثناء إمكانية توجه قسم من شرائحه الاجتماعية المتعبة إلى النقيض من السكوت والمهادنة أي العنف بعد أن تظهر تلك الانفعلات إلى الوعي ويسأل أصحابها عن ما آلت إليه كل الاستحقاقات. وبينها أيضا أن عدم الالتفات الحتمي إلى مسألة الايفاء ببعضها خاصة تلك التي تتعلق بتشكيل الحكومة الوطنية الكفوءة لمرحلة ما بعد الانتخاب قد يحرج  أفراد الجمعية الوطنية الحالية، وعديد من السياسيين المعنين بها وقد يشعرهم بفوات الأوان، وربما يحملهم تاريخيا مسئولة الإعاقة الفعلية لإنقاذ ما تبقى من العراق.           

د.سعد العبيدي                                                          30/3/2005