أوردت صحف محلية خبرا مفاده أن بعض كبار الضباط القادة والمسئولين في وزارتي الداخلية والدفاع قلقين على مستقبلهم الوظيفي خلال هذه الفترة الزمنية الحرجة، ينتظرون الوزراء الجدد وقد لا ينامون الليل أو ينامون جزءً منه في غير أنتظام. وهو خبر صحيح لا يتعلق بالوزارة الحالية، إذ إن نفس الحالة حصلت من قبل في الوزارة السابقة، وسوف لن يتوقف عند الوزارة الحالية، لأنه سيحصل في الوزارة التي تلي. هكذا هو شأننا وحالنا في الزمن السابق وفي الزمن الجديد، لأن أصل القلق وموضوعه يتعلق بطبيعة الشخصية الادارية العراقية التي يهرول البعض بسببها صوب المسئول وبالذات الوزير أيا كان الوزير ظالما أو مظلوم، يقبع تحت عباءته مغيرا نهجه حسب النهج الجديد، وطريقة تفكيره مثل تفكير القادم الجديد، يسبقه إلى النادي إن كان من رواده، وبيديه يسقي ويسأل هل من مزيد، وإلى الجامع إن كان متدينا يصلي خلفه أماما حسبما يريد، لافرق لديه في المعيار بين الجامع والنادي إلا ما يتعلق بالقرب من وزير وأبتعاد عن آخر لم يعد وزير.

ويتعلق أيضا بالقفز في مسائل الاختيار والتعيين من على معايير الكفاءة والتخصص والاقتدار صوب  القربى والمعرفة والولاء التي تجلب بطبيعتها قصيري نظر يهرولون للانتماء إلى حزب الوزير في مخالفة صريحة لضوابط العمل العسكري والامني الذي يحرم الانتماء لأي حزب وإن كان حزب الوزير. وفاقدي حياء يصفقون للوزير في كل موقف وكلمة ورأي وإن كان بسيط، وضعيفي شخصية يسعدون بالسير خلفه لمجرد المسير، وينتشون عندما يحسبوا عليه أزلاما تاركين الوطن الذي يفترض أن يحسب عليه الجميع، فاقدي العزة بالنفس يتبرعون في أن يكونوا مجسات له تنقل الشاردة والواردة، وأذرع تنكيل لمن لا يتفق ووقع المسير. عندها سيكونون قلقين ليس في أوقات تبديل الوزارة، وإنما طوال فترة العمل والتعامل المباشر مع الوزير.

إن الواقع مختلف تماما عن ما يعتقدون أو يفكرون والحل موجود بينهم وفي داخلهم دون أن يعلمون، حتى أن ليس من حقهم أن يقلقون. وهو حل أو نصح لافائدة من تقديمه للتخلص من أساس المشكلة بأختيار قادة ومدراء من غير القلقين، ليكونوا مهنيين يبنون ويعملون بمعزل عن الإنتماء السياسي والطائفي للوزير، أو رضاه وزعله، لأن لا أمل من جدوى النصح في هذا الاتجاه، بعدما أصبح السير عليه نهجا ثابتا منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان وحتى الآن، وبدلا منه يمكن تقديم النصح إلى هؤلاء القلقين ليتجاوزا حالة قلقهم وآلامه وعدم النوم بسببه، نصحا هو في الأصل تذكير بما عملوه قبل أربع سنوات ليكرروه الآن وبخطوات متتابعة قوامها:

أن لا تعيروا أمر الانتساب إلى حزب الوزير السابق أهتماما، لأنه لم يكن أنتسابا عقائديا، يمكنكم أن تتركوه وتنتسبوا إلى حزب الوزير الجديد، فيما إذا كان الوزير سياسيا أو إذا ما أراد أن ينشأ حزبا جديدأ.

وأن تقفوا في الصف الأول في حفل أستقبال الوزيرالجديد، تأدون التحية جيدا وتطبعون قبلتين على كل خد من خدوده الزكية، فالتقبيل يزيل الحقد من النفوس.

وأن تسيروا خلفه إلى مقره الجديد لا تفوتوا الفرصة أو تنتظروا حتى يرسل عليكم في اليوم الثاني، لأنه في اليوم الأول يكون منفتحا لأن يسمع ويرى وأنتم خير من يعرض ويُسمع. وإذا لم تصلوا إلى المكتب من كثر المتدافعين، أبقوا في حالة الحوم قريبا منه، أدخلوه بأية وسيلة لأن مديره هذا اليوم لا يمنع أحدا من الدخول سواء كان من الصفوة مثلكم أو من كان مصنفا من الدرجة الثانية في القيادة والأمرة، أحسبوا حساب الوقت في التقرب والدخول على أن يسبق أتخاذ الوزير للقرارات الشخصية التي ستتخذ عادة في اليوم الأول والثاني، ويسبق كذلك تلبسه الشخصية الجديدة التي تلي اليوم الأول والثاني، إن الفرصة متاحة من أمامكم في أن تسهموا من جانبكم في تشكيلها شخصية تسمع منكم كما تريدون .

لا تنسون عند ألتقاء الوزير في المرة الأولى أن تشيدوا به إنسانا عظيما كان له أثر في إحداث التغيير والقضاء على النظام البائد والديكتاتورية المقيتة، وتنفخوا به أملا لكل منتسبي الوزارة في أن ينهض بها من جديد. وتذكرونه مثل كل مرة أنكم جنوده الأمناء المخلصين الموالين له فقط وليغرق الآخرون.

وللتقرب أكثر يمكن الاشادة بأصل عائلته وطائفته ومنطقته حتى وإن كانت غير طائفتك، لا تهتم لهذا الأمر، فكثير منا ترك بدلة الزيتوني ولبس المحابس والجلاليب القصيرة.

ضع في حسابك أن مسح صفحة الماضي التي أرتبطت بالوزير السابق وفتح صفحة جديدة لحاضر يرتبط بوزير جديد تعتمد على المقابلة الاولى والانطباع الأول الذي يكونه الوزير. وإذا ما وجدت الباب مفتوحة للتقبل، وستجدها كذلك حتما لان الشخصية العراقية بحاجة لأن تسمع المدح والاطراء والتبجيل، عندها أدخل سريعا وعند دخولك لا تنسَّ التعريج على زمن الوزير السابق، إنسفه من أساسه الهش لأنه كان يعمل لنفسه وجماعته ولديك كثير من الادلة والاثباتات، وإنه لم يطور ولم يضحي ولم يسهر ولديك الكثير من المقترحات.

ويفضل أن تدخل قريبا من وقت الصلاة وأن دخلتها قبله تحايل للبقاء حتى موعد أذانها، فإن صلى أقفز من مكانك وقل حمدا لله إني على وضوء وصلي خلفه فالقبول هنا مضاعف، وإن لم يصلي أستأذن منه لأداء الصلاة في غرفتك التي أعددت ركنا نظيفا لأدائها بأوقاتها والقبول هنا سيكون مضمون.

إنها نصيحة أو تذكير بسلوك سابق، إذا ما تم تطبقها، ستجدون أن القلق قد زال، وستجدون أنفسكم تضحكون على ساعات القلق التي عشتموها تيها، وستجدون أنكم ضمنتم أربع سنوات أخرى في ذات المنصب والمكان، وإلى أن تنتهي الأربع هذه ويأتي وزير غير الوزير، من كتلة غير الكتلة، وطائفة غير الطائفية يحلها ألف حلال.


                                                                                       د. سعد العبيدي

                                                                                      30/12/2010