بعيدا عن أوجه الخلل في تحديد المسئولية الجنائية لفعل الكارثة التي لو كتب لها الحدوث على أرض غير العراق لقامت لها الدنيا ولم تقعد، وعن معالم القصور في تحميل المسئولية الاعتبارية إلى جهد التوجيه والإرشاد في المناسبات الدينية الذي لو تم بشكل صحيح لما قامت هذه الكارثة، وعن جدوى اتهام المؤسستين الأمنية والعسكرية في ظروف نزل فيها الملايين وساروا في الشوارع بطريقة لا يمكن الجزم بإمكانية حمايتهم، وتنقلوا جماعات في أجواء سياسية وأمنية لا يمكن الاطمئنان دون استهدافهم. بعيدا عن هذا الذي لم يجد نفعا في ظروف القتال الحالية، بل ويزيد الأثر السلبي لتداعياته المتعددة، لابد وأن يتم تناول فاجعته من زاويا متعددة بينها ما يتعلق بالعمليات النفسية الجارية كأحد أوجه الصراع الدائر بين الحكومة العراقية من جهة، والقوى الإرهابية والمسلحة المضادة لها من جهة أخرى، وفي مجالها يمكن الاستنتاج.
1. إن ما حصل على الجسر من الناحية الفنية أي النفسية، هو أن الجمهور المتعب والقلق، تصور بعضه "بعد سماع التحذير من وجود المفخخات" خطرا بالموت بات وشيكا، فأنطلق سريعا بدافع الرغبة في المحافظة على البقاء، دون وعي بما يجري أو تبصر بما سيكون، مستفيدا من التحفيز اللا إرادي لعضلات الجسم بسبب الأدرينالين الذي يفرز عادة في حالات الخوف الشديد، وفي انطلاقتهم المفاجئة أحدثوا ذعرا لآخرين في طريقهم أو قريبا منهم، فأصيب الغالبية بعدوى الهلع والذهول، وفقدان السيطرة على الذات، فسلكوا سلوكا جمعيا قوامه الفوضى والاضطراب، وهذا ما أراده الخصم، ونجح في تحقيقه، لغايات أخرى خطط جيدا لمعركتها النفسية بينها.
آ.شحن الجمهور الشيعي بالضد من الحكومة التي عرف بانتخابه لها وتأييده لاستمرارها.
ب.تعزيز مخطط الاستعداء الطائفي وجر الشيعة، والسنة إلى ساحة الاقتتال.
ج. نقل المعركة النفسية إلى ساحة الحكومة الداخلية، والإيحاء بضعفها، وعدم قدرتها على إدارة الأزمات.
د. إبقاء المبادأة في القتال الدائر بيده "الخصم" وإدامة زخم التأثير في إضعاف معنويات الحكومة والشعب في آن معا.
2. وإنه إي الخصم قد نفذ خطته بدقة عالية، وخبرة لا تمتلك الحكومة مثيلا لها، ولا أجهزة مختصة للتحليل، والتعامل السريع معها، إذ أن سيناريو معركته التي أختارها قد بدأ بقصف للهاونات والراجمات على منطقة الكاظمية بهدف التهيئة النفسية لانفعال القلق، تبعه رصد واستثمار لحالة الازدحام، والتكدس على جسر الأئمة، والمناداة بوجود أحزمة مفخخة لنقل الحال من القلق إلى الهلع.
3. وإن النتائج المتحققة لهذه المعركة النفسية، تتمثل في.
أ. خسائر كبيرة بالأرواح تبقي العراقيين في حالة ذهول، واتهام، وعدم اطمئنان، والعالم الآخر بعيدا عن التقرب إلى أرض العراق دعما للتغيير وإعادة البناء.
ب. وقوع البعض من أعضاء الحكومة في الفخ المنصوب، بعد توجههم بدلا من حشد الجهد المتاح لإنقاذ الموقف ولملمة الجراح إلى اتهام الزملاء تحت تأثير ضغط الجمهور المنفعل، وهم العارفين جيدا بالإمكانيات المتوفرة.
ج. الإيحاء بعدم وجود انسجام بين أعضاء الحكومة، ولا انضباط يعين على سرعة، ومركزية التعامل في مثل هكذا أزمات.
د. وضع الحكومة في موقف الدفاع السلبي، في ظروف تتطلب أصول القتال، ومساعي التفوق في ساحاته الانتقال إلى صفحة الهجوم.
هـ. إضافة المزيد من النقاط، وعلامات الاستفهام في الذاكرة الطائفية العراقية التي تفيد في التمهيد لأحداث أخرى يجري التخطيط إلى تنفيذها لاحقا.
إن ما جرى وما يجري من صفحات لقتال منظم على الساحتين العسكرية والنفسية، لا يمكن الاستهانة به، ولا يمكن التعامل معه عن طريق المحاولة والخطأ، وافتراض المعرفة المسبقة بكل الأمور، ولا يمكن تجاوز آثاره المدمرة إلا بصحوة فاعلة ينطلق خلالها هذا الشعب المنكوب إلى الأمام ليلتف حول نفسه، ويعيش معنى الإنسانية بعيدا عن الطائفية والقومية، والتعلق بالماضي السحيق.
د. سعد العبيدي 1/9/2005