قبل النظر الى قضية السيد الهاشمي ومسالة الاتهام الموجه له بدعم الارهاب من خارج اروقة القضاء، لابد من تتبع خطواتها أزمة سياسية اجتماعية امنية، والحكم على مديات تأثيرها على الوضع العراقي داخليا وخارجيا. ومن خلال التتبع المتأني لحالتها، يمكن القول ان احتمالين يحكمان نشأتها وتطوراتها: اولهما ان السيد نائب رئيس الجمهورية بريئ، وما اثير حوله يأتي ضمن خطوات التسقيط السياسي الطائفي المبرمج، واذا ما صح هذا الاحتمال، فلماذا لم يقف السيد النائب بمواجهة خصومه في ساحة الأزمة ليس لاثبات براءته فقط، بل ولوضعهم في قفص الاتهام بطريقة تنقذ العملية السياسية من توجهات التشويه التي يتكلم عنها، ويرسي بوقفته دعائم الشراكة والالتزام والامانة السياسية والديمقراطية الحقيقية، ويكون عندها رمزا لمن يتحدى الخطأ والظلم والتجاوز. وقفة تحتاج القليل من المجازفة بمقتضيات الوضع الخاص، لصالح النفع العام للجماعة والطائفة والامة. وثانيهما ان السيد النائب مشارك فعلا بعمل ما ضد الحكومة او اشخاص منها، أو داعم لتنفيذ هذا العمل من قبل حمايته الخاصة أو غاض النظر عن ما يحدث بشكل من الاشكال، وفي هذه الحالة يسأل السائل عن الاسباب التي دفعت الى المشاركة، وهل تأتي في سياقات القصد لصالح الجماعة والطائفة والامة، لان حصول مثل هكذا سلوك لا يمكن ان يكون جزافا او دون دوافع محددة، ولا يمكن ان يحصل لمجرد التنفيس عن مشاعر العداء.

انهما الاحتمالان الوحيدان اللذان من الصعب تثبيتهما في العقل العراقي المنقسم اصلا في النظر الى احداث السياسة، ومع هذا وأي كان الصحيح منهما يصبح من غير المفيد للنتائج المرجوة من اي منهما أن ينسحب السيد الهاشمي من موقعه الدفاعي، ويتخذ مواقع بعيدة عن الساحة الفاعلة للقتال كمكان للدفاع والهجوم في آن معا، مثل:

اقليم كردستان، الذي احرج التخندق فيه قيادة الاقليم والدولة، وزاد من اصرار خصومه على مواصلة الجهد لكسب المعركة حتى آخر المشوار بعد ان وضعهم في خانة مثيرة للتحدي تمتد الى خارج المكان الذي يصلح لادارة الصراع.

وكذلك مثل تركيا التي يفسر ان الذهاب اليها وربما الاستقرار فيها استقواء بها على خصومه في جبهة الصراع الذي يضاعف كم التعقيد ويقطع خطوط الرجعة لجميع الاطراف.

ان الابتعاد عن الساحة وان كانت لاغراض السلامة أزمة في جدار التشارك السياسي لابد من الاعتراف بتعقيداتها للمشهد السياسي الغائم أصلا، والذهاب الى كردستان بقصد ادارتها "الازمة" من هناك هو بحد ذاته ازمة في صلب العلاقة بين المركز والاقليم، لابد من التأشير الدقيق لاسهاماتها في زيادة التعقيد. والذهاب الى قطر ومن ثم السعودية ازمة ثقة في الدولة العراقية لابد من أخذها في الاعتبار عاملا للابتعاد عن طريق الاخوة العربية سيضيف المزيد من التعقيد. والاستقرار المحتمل في تركيا ازمة مضافة في صلات الجيرة المتصدعة لابد من وضعها في حساب التأثير على الامن القومي العراقي. بمحصلة للقول أنها أزمة تلد أخرى، لا يمكن تلافي آثارها المباشرة وغير المباشرة على العملية السياسية إلا بالعقلنة والمواجهة المباشرة لاطراف صراعها في ساحتها الداخلية، وتقبل النتائج مهما كانت قاسية، لان المواجهة والتقبل هي التي تخلق الرموز السياسة، وهي التي ستجنب العراق آثام التدخل في شؤونه الداخلية، وتحمي ابناءه من ويلات حرب اهلية لم يسقطها المتنفذون من حساباتهم في التعامل مع اهل العراق.

21/4/2012