شهدت هذه السنة تطورات إيجابية في مسألة الأمن وفرض القانون ليس في بغداد المنطقة الأكثر أهمية للقياس والتقدير، بل وفي مناطق أخرى بالجنوب والشمال أثبتت نتائجها جدوى العمليات العسكرية والأمنية في التعامل مع الإرهاب وأعمال التخريب، وقدرة العراقيين على تجاوز أزمته في وقت ليس بعيد من الآن، وأثبتت أيضا أن الدولة بأجهزتها الضابطة باتت تتعامل مع بؤر التوتر، وقواعد الإرهاب، ومنتجيه  بنفس المقاسات، وهذه جميعها إثباتات كان لها أثر إيجابي في تحسين مشاعر العراقيين "نسبيا" من التغيير والعملية السياسية والقائمين عليها ستبقى ضرورية للتقدم إلى الأمام إذا ما رافقتها جهود حثيثة لتجاوز بعض الرواسب السلبية في جوانب عدة من إدارة الدولة والمجتمع، وستبقى كذلك للتخلص من الإحباط الذي لازم العراقيين من بداية التغيير حتى وقتنا الراهن، ولتوحيد ولائهم الى بلدهم بدرجة تكفي لحشد الجهد الشعبي في معاونة الحكومه في خططها لفرض الأمن وإعادة البناء.

وشهدت هذه السنة أو النصف الأول منها أيضا أنشطة ملموسة في عدة مجالات بينها توجهات للحكومة في إعادة ممتلكات الدولة من المتجاوزين والسراق، واصدرت أوامرها في أخلاء مباني ودور وشقق حكومية منها التي تسكنها أحزاب وحركات سياسية، ومنها التي أستولى عليها الفقراء والقفاصة والمتجاوزين، وقبل الشروع في التنفيذ لما يتعلق بساكنيها من الأهالي في مناطق بغداد على وجه الخصوص:

لم تبادر أي من الأحزاب الغنية والمساهمة في الحكم للبدء بالإخلاء وإن صُنفت متجاوزة أسوة بالأهالي من الناحية القانونية، ولم تفكر أن مبادرتها ستعزز من قدرة الحكومة التي تسهم فيها وستعيد للدولة العراقية هيبتها وهم رجالها الواقفين في الصفوف الأولى.

ولم تتنح قوات متعددة الجنسيات جانبا في موضوع لا يمت لأمنها بصلة من قريب أو بعيد فبادرت من جانبها بتبليغ البعض من الأهالي المتجاوزين بعدم الإخلاء وزودت بعضهم بباجات تسمح لهم في الإقامة بها عدة سنوات قادمة، فوقفت في إجراءاتها هذه مع صف المتجاوزين بالضد من القانون، واعطت مسوغ للأحزاب في أن تعصى أومر الحكومة، وأسهمت في إعاقة الجهد المبذول لإعادة هيبة الدولة في ظروف هي الأحوج إلى تقويتها لأغراض السيطرة على الجمهور القلق، وستؤدي من جانب آخر إلى تعزيز روح التمرد بالضد من الدولة في نفوس البعض الذين ما زالوا يقاومون الإنصياع لقوانينها.  

إن التصرف المذكور مع غرابته سيبقي العديد من الأسئلة في عقول العراقيين ماثلة يتعلق قسم منها بالكيفية التي يفكر بها الأجنبي، وبنظرته للعراقيين في محنتهم، وبجديته في دعم الديمقراطية التي لا تتأسس على التجاوز والإبتزاز، ويتعلق قسمها الآخر بنواياه المستقبلية، وخططه الأستراتيجية في المنطقة والعراق في وقت يسعى فيه الطرف الأمريكي الذي يقود تلك القوات  إلى توقيع إتفاقية أمنية مع العراقيين، إذ وبعد تلمسهم مثل هذا التصرف وأمور أخرى كيف لهم أن يطمئنوا لشريكهم في الإتفاقية، فيما إذا أمتلك القدرة على التحرك وعلى المزيد من الصلاحيات، وكيف لهم أن يقفوا مع الحكومة التي تريد توقيعها لإخراج العراق من البند السابع، وكيف لهم أن يتعاملوا تعامل الند في السياسة وتحقيق المصالح المتبادلة لكلا الطرفين، وغيرها الكثير من الأسئلة ما زالت عالقة، يمكن الإجابة عنها فقط من خلال التعامل الجدي الداعم للدولة العراقية ومؤسساتها داخل وخارج العراق.

د. سعد العبيدي                          27/6/2008