يحق للعراقيين أن يتذكروا الحرب الأخيرة والتغيير الحاصل على إثرها في 9/4/2003 ، وما رافقها من تمنيات للخلاص من عيش مر أطعمه لهم صدام، وتوجهات للخراب تسببت بها أعمال الإحتلال، وأخطاء الإدارة، وقصر التفكير، بل وعليهم أن يتذكروا بعمق كل تناقضاتها وإرهاصاتها، ويحسبوا بجد كل صغيرة جاءت بها، وكبيرة نتجت عنها، لأن التذكر عودة أسترجاعية لمجريات خمس سنوات مضت كانت مفعمة بالأحداث الماساوية، وشدة الضغوط المستمرة لفترة تعد طويلة بحكم الزمن وتاريخ الشعوب، الأمر الذي يساعدهم على المقارنة والحكم والأستنتاج الذي يحتاجونه للعبور بأقل الخسائر إلى الضفة الأخرى من الوادي الذي وَضعوا أنفسهم أو وُضعوا في دواماته لخمس سنوات قد تزيد أو تتضاعف تبعا لما سينتج من سلوك بعد التذكر المؤلم والمثير، ويساعدهم من جهة أخرى على الترويح عن النفوس المتعبة بسبب التعرض إلى كثير من مواقف الشدة والإنفعال السلبي، لأنه جهد عقلي سَيُخرج حتما بعض من تلك الإنفعالات المكبوتة في مصاحبتها لبعض الأفكار.
والتذكر الصحيح والسليم من الناحية النفسية يفيد في بناء المواقف اللازمة لإعادة البناء المفيد لهم والملائم لطبيعتهم، ويصوغ الآراء الداعمة لتصحيح مسيرتهم، ويعدل الأتجاهات الفاعلة لتشكيل السلوك القادر على التعامل مع الواقع الحالي بضغوطه النفسية التي زادت بشكل كبير، إذ أنه وعندما يجد المعني أي العراقي القائم بالتذكر أن بعض الأحكام التي كان يطلقها على الحكومة والنظام السابق مثلا لا أساس لها من الصحة بالمقارنة مع مايحدث مثلها في الوقت الراهن، فقد يعيد النظر بأحكامه التي يطلقها على النظام الحالي، ويجد طريقة للتعامل مع القائمين عليه بشكل سليم، وقد يلجأ إلى التمحيص والتدقيق في عملية إطلاق الأحكام التي تجنبه الوقوف المسبق بالضد أو البقاء المُعَطل على التل في موقف الفرجة التي يريد الغير إطالتها بأي حال من الأحول، وعندها سيجد أن العديد من الأمنيات التي تمناها بالخلاص من أستفزاز الأمن ورقابته المستمرة، والعيش بالكفاية التي توفرها موارد البلاد، والتصرف بالحرية التي يمارسها العباد، والسفر إلى الخارج مثل الغير، وأمتلاك الستلايت للمتعة والإطلاع، والهاتف النقال لتقريب المسافة وتحقيق الإتصال، وغيرها التي كانت تشغل البال إبان فترة الحكم الديكتاتورية، قد تبخر بعضها، وتبدلت قيم بعضها، وتغيرت طبيعة بعضها الآخر خلال فترة الحكم الديمقراطي المأمول إلى مستوى الحصول على قنينة غاز مملوءة كما كانت أيام زمان، وعلى قليل من النفط لتفادي برد الشتاء، والهروب من قاتل طائفي مأجور، وتفادي واشي أنتهازي مدفوع، والعودة إلى بيت مهجور، والمساواة في فرص الترشيح المتاحة بمزور شهادة مغمور، عندها سيجد أن التمني في وادي الرافدين وهم، قد يدفعه إلى تغيير تعامله مع الرغبات القائمة على التلقي المجرد للأمنيات، وإجترار أفكارها إلى العمل الفاعل للمساهمة في تحقيقها من خلال التوجه السياسي النزيه، وأتخاذ الموقف العملي الصائب، وأنتخاب الوطنيين الأكفاء القادرين على تحقيق الأمنيات، والمناصرة الفاعلة للحق بعيدا عن التزييف، والخروج من ساحة الإختلاف، وغيرها الكثير الذي يسهم بتخليصه وأبناء وطنه المنكوبين من وهم التمنيات التي أبقته عشرات السنين مستلقيا بحالة إضطراب وشبه تخدير.
إنه تذكر من النوع النافع، لا بد من حصوله بمناسبة أنتهاء أول خمس سنوات معاناة، نتمنى أن لا تطول، وتتضاعف كما يتنبئ الكثيرون.
د. سعد العبيدي 23/3/2008