ردةُ الى الماضي البعيد، تحمل كثيرا من الافكار ذات الصلة باصلاح الامة عن طريق العودة بها الى الماضي، الى ايام الخلافة الراشدية الاولى، بل والى ما قبلها ايام الرسول الاعظم (ص)، دوافعها العلنية التزام بالسلف الصالح وسلوكه وافكاره وممارساته الحياتية سبيلا الى الاصلاح وادارة شؤون الامة بعد ان وصل تدهورها مستوا يقربها من الفناء. منه نفهم ان الردة اوالعودة الى الماضي، تأتي من تصورات عقلية للتعامل مع هذا التدهور السريع والمستمر، من فئة متأسلمين متطرفين وجدوا فيها "تصورات العودة" اسلوبا وحيدا لانقاذ الامة. واذا ما كان هذا واردا، وهو كذلك من خلال طروحاتهم وادبياتهم ومشاريعهم، فان العود الى الماضي للتعامل مع الحاضر مسالة ليست مستحيلة فقط، بل وتصنف فشلا في انتاج وسائل حديثة مناسبة لتطوير واقع الامة، ونقلها الى مصاف الامم المتقدمة لكي تعيش وسطها بندية، ويعيش ابنائها عصرهم بواقعية. ولكون الفشل مؤلم من الناحية النفسية، فتوجهوا اصحابه السلفيين لتعويضه بالعودة هروبا الى الماضي الذي كان فيه المسلمون الاوائل هم المعاصرون، وكان فيه الدين الاسلامي هو الاحدث والانفع في التعامل مع شؤون الحياة بواقعها المعاصر آنذاك.... عليه عندما فشلوا في صنع البندقية على سبيل المثال، وجدوا في السيف بديلا رمزيا، وضعوه سلاحا لقطع الرقاب، وكذلك فعلوا مع العجلة التي حاولوا استبدالها بالخيول، ولما وجدوا تأييدا من بعض المتطرفين المتألمين من كثر الفشل زادوا من تطرفهم في العودة الى الماضي، فمنعوا الموسيقى والغناء بدعوى الحرام، واغلقوا صالونات الحلاقة والتجميل لانها حرام، واطلقوا العنان لاشباع غرائزهم بالزواج من القاصرات، وغيرها افكار وقناعات واساليب حياة، وضعوها طوقا يعيشون فيه، وجعلوا له بابا يدخل منها المتطرفون ومن يشعر بآلام الفشل. في عالم يديره كبار، بوسائل اتصال وتواصل لا يمكن فك رموزها من قبل الصغار، يفهم اصحابه اي الكبار، كيف يفكر السلفيون، بل وهناك آراء متناثرة على انهم من كون هذه المجاميع السلفية، وشجعها لدخول الطوق السلفي، والبقاء فيه خدمة لعوامل صراع يديرونه في المجتمع الاسلامي، بهدف ابقاءه متخلفا عن الركب الحضاري، تابعا لهم كبار، معتمدا عليهم في كل شيء، الى أن يتآكل، ويضمحل، وينتهي وينهي معه الكثير من الاعراف والتقاليد والقيم التي جاء بها الاسلام، واسس بها حضارة بدأت معاصرة، وتأخرت عن الركب العالمي لاسباب بينها التخلف والتشبث المطلق بالماضي السلفي.

ان العودة الى الماضي اذا لم تكن بقصد الاستفادة منه قيما واخلاقا، ومجالا للانطلاق الى المستقبل سيكون كارثة لا يدفع ثمنها السلفيون فقط، بل والعالم الاسلامي الذي اوقفه اصحاب نظريات العودة السلفية على كف عفريت.

               

                                                                         

                                                                       5/12/2012