عين الحاكم السابق أقرباءه في السلطة، ومنح البعض من معارفه المكارم أموالا، وأراض سكنية ومزاع لزيادة ولائهم في دعم السلطة، وأعتمد الدرجة الحزبية، والانتماء القبلي، والمناطقي أساسا لتقييم الولاء العام للسلطة، فوُصف سلوكه وكذلك أداء نظامه بالفاسد. وبسببه أي الفساد وأخطاء في الإدارة أبتعدت عنه الغالبية العظمى من العراقيون حد العزلة بينهم من جهة وبين السلطة، فأسهموا بعزلتهم هذه ومواقفهم المضادة في كثير من المجالات في إضعافها حتى أضحى الحاكم الذي أعتاد التدخل في نقل ضابط من وحدة إلى أخرى، وفي ترقية موظف، وفي الاطلاع على مخالفة تقع في أقصى الشمال العراقي أو في الجنوب غير قادر على ضبط السلوك العادي لأفراد حمايته، ولا السيطرة على توجهات أبناءه، ولا التحكم في أنضباط ومعنويات جنوده..... فكان فساد للدولة أفقدها السيطرة وأسس نوعا من العزوف عن التأييد، والرغبة في التدمير عمت المجتمع العراقي ومهدت إلى السقوط.

لكن الفساد الذي عرف البنك الدولي انشطته باساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص لم يتوقف تأثيره كما هو مفروض عند عتبات قصور صدام التي تهدمت، ولم تنته أمتداداته كما كان متوقعا عند المفاصل القيادية لحزب البعث التي حلت، ولا يمكن الحد من تفشيه كما هو متأمل عن طريق النوايا والشعارات التي ما زالت وسيلة للكسب والاقناع، لأنه آفة مدت جذورها عميقا في بيئة عراقية لم تختف معالمها بشكل ملموس بين الأمس واليوم، فكان لها أثر في نشر الفساد وإنبات أنواع منه لم تكن موجودة في السابق، ولأنه سلوك مكتسب أنتقلت معالمه إلى أفراد في المجتمع لم تختلف تطلعاتهم ورغباتهم بين الأمس واليوم، فكان لهم السبق في قيادة وتوجيه أرتال الفساد وإيجاد فروع وبؤر له في كل مكان من العراق، ولأن السياسيين الذين تسلموا المسئولية العليا لإدارة الدولة والمجتمع بعد السقوط لم يدرك بعضهم "إذا ما حسنت النوايا" ماهية الفساد، وأخطاره الكبيرة على تطلعاتهم في الحكم وإقامة المجتمع الديمقراطي الجديد، فاسهموا بسبب عدم الإدراك وقلة الخبرة في تعميمه توجها عند الكثير من ابناء العراق.

إن الغريب في أمر الفساد هو أن جميع العراقيين يتكلمون عنه آفة ويسكت العديد منهم إذا ما أقتربوا من نفعه في اي حال من الأحوال. والغريب في مجاله أيضا هو أن كل المسئولين الذين تعاقبوا على حكم العراق بعد التغير يستنكرون حدوثه كارثة ستدمر العراق ويتجاوز بعضهم  على خطوطه الحمراء بتوزيع مكارم من البيوت والأراضي والسيارات، ويصدرون الأوامر بترقية القريب درجة وظيفية عليا، ويمنحون الصديق رتبة عسكرية رفيعة، ويعينون مستشارين من أفراد الحركة والطائفة والحزب ، ويسهلون الحصول على مكاسب خارج الضوابط، وغيرها الكثير من الأنشطة التي تندرج تحت تعريف الفساد وهم لا يقرون مع أنفسهم أن ما يفعلوه هو الفساد. والغريب كذلك إن المشرعين أي أفراد الجمعية الوطنية"السابقة" المعنيين بإصدار القوانين التي تحد من الفساد وبمراقبة سلوك الحكومة في مجاله يستلموا رواتب لعشرة أفراد كحماية كانوا قد أعطوا اسمائهم ووثائقهم للدائرة المعنية، لكن بعضهم قَبِلَ لنفسه أن يستولي على المبلغ المستلم لصالحه ولم يعين أحدا في الحماية أو قبل البعض الآخر أن يعطي لمن في حمايته أقل من الراتب المخصص فعلا دون أن يحس مع نفسه أن عمله هذا نوعا من الفساد، والأغرب من ذلك طرح البعض من افراد الجمعية الوطنية الحالية في أول إجتماع لها مقترحا بزيادة أفراد الحماية إلى خمسة عشر رغم التحسن البسيط في جوانب الأمن، ومقترح من هذا النوع لا يمكن أن يفسر إلا في إطار السعي لزيادة المبلغ المخصص للحماية إلى ما يقارب الخمسة ملايين دينار يضيفه إلى راتبه الأصلي وهو غير راغب بتصنيف مساعيه هذه بأحد جوانب الفساد. وبذا يمكن القول أننا أمام دولة للفساد وكارئة يمكن أن تفضي إلى تدمير العراق إذا لم تع الحكومة المنتخبة  تأثيراتها، وإذا لم يستطع العراقيون من إختيار قادتهم من اللذين يتجاوزون ذاتهم وغرائزهم ويشعرون مع أنفسهم أنهم اكبر من الحزب والطائفة وإنهم من يبني العراق.

د.سعد العبيدي                               15/4/2005