لم تكن الهند أسوء حالا من العراق مطلع القرن الماضي من حيث التركيبة الاجتماعية أديان متعددة وطوائف مختلفة ولغات عدة، وتخلف متجذر، وفقر متقع، لم تعيقها من تكوين دولة أرست دعائم ديمقراطية أصيلة تتلاءم وتلك التركيبة غير المتجانسة، ولم توقف عجلة تقدمها العلمي والتقني لتكون أحدى الدول النووية. ولم تصل معالم الفرقة والتناحر والولاءات المجتزئة في العراق مع بدايات القرن الحالي" بعد التغيير على وجه الخصوص"  كما كانت عليه الطوائف والأقوام التي كونت يوغسلافيا" قبل أكثر من خمسة عقود" دولة تجاوزوا تحت مظلة علمها الواحد كل الاختلافات والأحقاد والرغبات الخاصة لفترة محددة كونوا خلالها مجتمعا أقترب من جيرانه الغربيين الأغنياء نسبيا في مجالات التطور والاستقرار. ولم يكن العراق إلا واحدا من تلك المجموعة " الهند ويوغسلافيا " التي واجهت  مصاعب وتناقضات فيها قدرا من التشابه على أساسه يمكن المقارنة بالنتائج التي سجلت نجاحا لبعضها في التجاوز على المصاعب والتناقضات وتقديم الحلول العملية لها مثل الهند، وسجلت أخرى نجاحا مؤقتا مثل يوغسلافيا، ولم يسجل العراق الطرف الثالث في المقارنة ما يمكن عده مؤشرا لنجاح بالاتجاه الصحيح، وهي نتائج تعود أسباب تحققها والإخفاق في عدمه منطقيا إلى عوامل عدة أهمها الزعامة التي برزت فاعلة في الهند ويوغسلافيا ولم تكن كذلك في العراق، أو بمعنى أدق وجود قاسم مشترك تعود إليه النجاحات في الدولتين المذكورتين ويرجع إليه الفشل في العراق هو الوجود النفسي لزعيم أستطاع في الهند "غاندي" من إقناع العموم أن الخلاص من الواقع الصعب يتأسس على نضال عصامي ضد الاستعمار البريطاني وكان هو من يتقدم العصاميون، وإن القضاء على معالم الفرقة والتناحر والتجزئة والتخلف والتكفير يأتي فقط من السعي لأن يكون المواطن هنديا، فعاش فترة نضاله مثالا للوطنية الهندية دون أن يوصف بوذيا أو هندوسيا أو مسيحيا أو مسلما ولا من السيخ. وكذلك الحال في يوغسلافيا التي أستطاع فيها تيتو أن يكون زعيما أقنع الصرب والمسلمين والكروات أن العيش الآمن والتقدم المضمون يأتي من عدم التأسيس على مفردات الدين والعنصر أعمدة لضمان الحقوق أو التجاوز عليها، وكان  خلال فترة حياته مثلا لكل اليوغسلاف دون أن يحسبه أحد على قوم من الأقوام. وعلى العكس من ذلك في العراق إذ وبعد أن حصل التغيير وتذكر الجميع حقوقهم ساروا بعدة اتجاهات كونوا بحكم الطبيعة النفسية والعوامل الأخرى الخارجية والداخلية كثير من القيادات التي وبدلا من أن تنتج زعيما للعراق، صنعت في مسارها طالبي زعامات يفوق عددهم قدرة الذاكرة العراقية على حفظهم في خلاياها الداخلية، وبدلا من أن تستغل الفرصة المتاحة لتعزيز صورة المناسب من بينهم كزعيم للعراق وقعت في فخ الذاتية النفعية مهرولة إلى الأمام في محاولة لاستثمار المتاح من الجهد لإنتاج زعيم لها كطائفة أو قومية أو كتلة سياسية دون أن تتذكر العراق، وهرول من أتيحت له فرصة العمل في الدولة هو الآخر إلى الأمام مستثمرا وضعها المالي والإداري ليعزز دور مجموعته التي عول عليها في دفعه إلى الزعامة دون أن يحسب حساب العراق فأسهموا كليهما بضياع فرصة تاريخية لإنتاج الزعيم الذي تحتاجه المرحلة ، وزادوا من معالم التعقيد في العراق. قد تكون المقارنة بين المجتمعات الثلاثة الآن غير ذات جدوى بسبب اختلاف الظروف، لكنها تلقي الضوء على مسألة الحاجة الملحة إلى الزعيم كأحد أهم الحلول بعد أن وصل الخطأ والتقصير والفرقة في العراق إلى مستوى الكارثة، ولأنها تؤشر أن الزعامة التي تنتج من تفاعل عاملي الحاجة الظرفية للمجتمع والخصائص الشخصية للإنسان يمكن أن تولد في العراق إذا ما خرج على الساحة من في داخله مساحة للعراق تفوق تلك المخصصة للحزب والطائفة والقومية لأن الحاجة قائمة بل وملحة لمعنى الزعيم، ومع ذلك ورغم وجود الحاجة يبقى الأمر قاصرا عن التحقيق إذا لم يبادر الشعب في دعم وتشجيع من يراه مؤهل أن يكون الزعيم ويحسم هذه الفوضى التي لا تطاق.                     

د. سعد العبيدي                                              22/4/2005