الوطنية، مشاعر، تصدعت مثلها مثل، النزاهة التي لم تعد معيارا للاستقامة وحسن السلوك، ومثل الإيثار الذي لم يذكره أحد في سياقات الحديث، ومثل التضحية التي نسيها كُتابُ التاريخ، ومثل غيرها قيم تغيرت، وإلتزامات أنتهت، بسبب ظروف عاشها العراق، قبل الحرب والتغيير، يتحمل مسئوليتها البعث وصدام، ويعيشها أهل العراق الآن، ويتحمل مسئوليتها السياسيون الجدد والأحزاب.

هو تصدع بمقدار إذا ما أستمر على نفس الوتيرة، سيدمر العراق، ويفرق الأهل، ويعصف بالبلاد.

مؤشراته واضحة، لا تحتاج إلى دليل يثبت صحتها، ولا إلى باحثين يشخصون واقعها، في وطن:

فيه يتسكع المواطن بين دول، وأقوام يشكو غربته وقسوة العباد.

يخجل من عراقيته في الجلسات الخاصة، يوم يسأل عن أصوله، بعد الميلاد. 

يطالب بحقه في العيش مترفا، ويوم تسنح الفرصة، ليكون أحد مانحي الحقوق، يقف ضدها بالمرصاد.

فيه من يقتل جاره بأجر زهيد، ويغتصب مال أخيه قبل التوجه للصلاة، وفيه من لا يخجل من تزوير شهادة دكتوراه وهو من الدراسة المتوسطة خريج.  

فيه من يضع لنفسه راتبا يعد الأعلى في العالم، وهو في الدولة مسئول، وبرلماني منتخب يصوت فقط، للمنافع والمخصصات، وهو عن التشريع مؤتمن ومسئول.

فيه عديد من العجائب والخروقات التي أضعفته وطنا، وقللت هيبته بين الأمم، فتدخلت في شئونه كل العرب والعجم، وحَجَ أهله من السياسيين إلى دول الجوار، يفتشون عن حل لمستقبل مجهول، وهم عن الحل غافلون.

فيه، وفيه الكثير، من الهموم، والأخطاء، والتجاوزات، التي خَدشتْ حياءه الوطني، وصدعّتْ مشاعر أهله الوطنية، حتى أصبح وطنا يُحسَبُ مريض، ومواطنين يعيشون فيه، مصدومين بحس المريض، لا يقوى كثير منهم على التنويه بعراقيته، ولا يحس بها مشاعر تشبع حاجته للانتماء.

في المقابل، لا يوجد وطن، بلا وطنيين، ولا مجتمع بلا خيريين، حتى في العراق الذي قَتلَ فيه الغرباء وبعض الأبناء كثير من المخلصين، هناك وطنيين مُضَحِينْ، من السياسيين والبرلمانيين، وهناك فرص ميسورة أمامهم في الوقت الراهن، لإعادة ترميم الوطنية المتصدعة، بقليل من التضحية ونكران الذات.

إحداها: للبرلمان الجديد في أن يبدء دورته بتقليص مخصصات أعضاءه والحمايات، ويتبرع بالفروقات المالية لمشاريع الفقراء، ويلزم أعضاءه بحضور الجلسات، ومتابعة المشاكل والآهات، عندها سيسجلوا، أنهم مثال الوطنية، وسيلحق بهم الكثير من العراقيين جريا وطنيا، متعدد الاتجاهات.  

وثانيها: لمن يشكل الحكومة الجديدة، ومن يكون رئيسا للدولة المجيدة، أن يقللان من سقف رواتبهم العليا، ويلغيان فقرة المنافع الاجتماعية، ويُشكلان هيئة مستشاريهما من المختصين غير الحزبيين، ويكسران الطوق الموجود من حولهما، بمهنيين معروفين، ولا ينطقان بلسان غير اللسان العراقي الفصيح. عندها سيكتشفون أن أول معارضين لإجراءاتهم هذه، الموجودون جنبهم، والقريبون منهم في الطوق المفروض من حولهم، لأنهم المستفيدين من تلك المنافع والإعانات، لكنهم وفي المقابل سيجدون أنهم قد نجحوا بإمتياز، وسيجدون من يتبعهم وطنيا، كثير من العراقيين، من غير الانتهازيين، والمتحزبين، سيحملون الراية معهم، يُعيِنُوهم في الإدارة والتنفيذ، وفي الحماية والأمن، وسينادون بهم زعماء المرحلة الصعبة، والقادة العظام، الذين بدأو بنكران ذاتهم، خطوات إعادة الترميم الصحيح للوطنية العراقية، وسيبقوهم في الذاكرة، خالدين فيها، يعيدون أنتخابهم بأغلبية كبيرة، وبنفسٍ مريح، وسيكتب التاريخ أنهم فعلا زعماء العراق الجديد، بخط عريض يفوق تأثيره كل الملايين.

إنها أفكار، أقر فيها قدر من الخيال، وتطبيقها في السنوات القليلة القادمة، ضرب من المحال، لكنها ستتحقق يوما، عندما يقود التغيير فيها زعيما، ستذكر وطنيته من بعدنا كل الأجيال.        


                                                                                        د. سعد العبيدي

                                                                                        6/6/2010