عندما يقتلُ إنسان في سيارته على الطريق العام لا لذنب قد أقترفه، أو لثار قد أقحم فيه، بل ولأسم قد أكتسبه من العائلة الممتدة والبيئة المحيطة، سيفسر القريبون هذا القتل، غدرا طائفيا، وسيندفع الشباب من الأهل، وأبناء العمومة والعشيرة إلى التفتيش عن وسيلة لتفريغ العدوان الذي تكون بعد القتل، وعندما لم يجدوا ضالتهم في شخص محدد أو مجموعة معينة ليقتلوه أي يفرغوا شحنات العدوان سيتحول عدوانهم باتجاه الجماعة المقابلة أي الطائفة الأخرى، وسينتظرون الفرصة السانحة لتفريغه. والانتظار في مثل هكذا حالات هو الخطوة الأولى نحو فتح أبواب الفتنة.
وعندما يُفصلُ رأس ميت أثناء نقل جثته إلى الدفن في المكان الموعود، لا يحتاج الأهل وأبناء المنطقة، والطائفة تفسيرا للفعل إلا في إطار الحقد الطائفي الذي يسترجع في مثل حالاته كل النقد المكبوت في الذاكرة البعيدة، والانفعالات السلبية المصاحبة، فتتكون بسببه شحنات من العدوان تبدأ لفظا بالسب والشتم وكيل الاتهامات، ولا تنتهي إلا بفعل الإيذاء للطرف المقابل في بعض الأحيان. والمسافة بين اللفظ والفعل المرتقب وإرهاصاتها وقود قد يفتح أبواب الفتنة مع أي قدح قريب.
وعندما يتجول العسكر بسياراتهم دوريات متفرقة بين الناس ويشتموا عشيرة معينة أو طائفة محددة بمكبرات الصوت أو بحناجر عامرة، سيحسب المتلقون من الشباب على وجه الخصوص أن هذا الفعل إهانة لمشاعرهم واستفزاز لمعتقداتهم واستهداف لحاضرهم والمستقبل، وسيحاولون بسببه التكتل، والتسلح، وحشد الجهد، وترويج الإشاعات التي تضخمه، ومن ثم الاستنفار للقيام بفعل مضاد يثبت لهم قبل الغير أن أهانتهم مكلفة أو غير ممكنة، وإنهم موجودون على الساحة وقادرون على القيام بما يعبر عن وجودهم طرفا في ساحة الصراع شبه المستمر، وحسابات من هذا النوع وأعمال لتبريرها تحوي في داخلها مشاعر كره ومقت تسحب المعنيين تدريجيا إلى فتح أبواب الفتنة.
وعندما تُرحل عوائل من مكان سكنته لعشرات السنين في ظروف عدم الاستقرار وهي من طائفة معينة، ستبقى في ذاكرة أبنائها دوافع الترحيل غير الإنسانية، وسيحاولوا مع غيرهم من القريبين أن يتصرفوا بنفس الاتجاه إذا ما سنحت لهم الفرص في مناطق أخرى، وربما سيعود الشباب منهم إلى ذات الديار في القريب العاجل لينتقموا من أشخاص قد لا يكونوا هم سبب الترحيل. والانتقام بمثل هذه الظروف فتح أكيد لأبواب الفتنة.
وعندما تذبح عائلة من طائفة مختلفة عن سكنة شارع في مدينة الشعب بصغارها والكبار، وتذبح أخرى بنفس الطريقة وهي من طائفة ثانية بحي الأمين، سيفتش الجيران وأبناء المنطقة والمدينة عن طريقة يحمون بها أنفسهم، وعندما لم يجدوا وسيلة سوى حمل السلاح سيحملونه وأياديهم على الزناد. وحمل السلاح بهذه الطريقة سيفتح أكثر من باب إلى الفتنة.
إن تكرار الأحداث التي تثير التوتر والعدوان، وتدفع إلى سلوك الانتقام باتت كثيرة ومتعددة في هذا المجتمع العريق، وكثرتها تدلل على أن أبواب الفتنة على وشك أن تفتح في العراق، وإن عواقب فتحها أو الآثار السلبية للفتح سوف لن تتوقف عند شخص هنا أو عائلة هناك، بل وستمتد لتحرق بنارها الداعين، والمحرضين، والمستفيدين، وكثير من الأبرياء والمتقين، وستمتد معاولها لتهدم بيوت ومناطق عامرة، وتدمر مدن مشيدة، وقد يزحف سعيرها إلى الجار الذي أنتعش بإيقادها، وإلى الأبعد منه يوم مولها وحرض على اشتعالها، وتدلل أيضا أنها أي الفتنة فخ قد نصبه الغير لنا في العراق، وإننا على وشك الوقوع في قعره، إلا إذا فقنا من غفوتنا، وعدنا إلى انسجامنا، وأدركنا أنها أشد من القتل كما ورد في القرآن.
د. سعد العبيدي 5/8/2005