ترك عمو بابا هذه الدنيا وإرتحل إلى مثواه الآخير، بطلا كرويا لامعا، وإنسانا مخلصا، وعراقيا أصيلا، أستحق أن يكون بسببها وخصال عديدة رمزا من رموز العراق التي تناقصت أعدادها في الآونة الأخيرة حد الأختفاء.

ذهب وفي داخله غصة مؤلمة في أن يحصل على التأشيرة الأوربية، ليتعالج في ألمانيا من مرض عضال.

ودعّها متفائلا بأهل الخير ومحبيه، وعشاق الكرة، في أن ينصفوه بحياته التي نذرها من أجل العراق، وذلك بدفع تكاليف العلاج.

لكن القدر والمرض وحكم السنين، لم تتركه مستمرا على تفائله منقطع النظير، إذ وبدلا من العلاج والشفاء والعودة الى المحبين، نقلته إلى العالم الآخر، وأبقت ذكراه درسا لأهل العراق، بل دروسا لا نريد الخوض في تفاصيل بعضها التي تتعلق بعدم فهم الرمزية وأثرها على الحياة الوطنية في عراق يحتاج الى كل نَفسٍ وطني صادق، والى كل رمز لامع، وبعضها ذو الصلة برفض المجتمع العربي بشكل عام والعراقي على وجه الخصوص لأعمدتها "الرمزية" من خارج صحن السياسة الذي لم تسمح له ظروف التغيير والانتقال بإخراج أعمدة شامخة مؤثرة حتى وقتنا الرهن، وبعضها الآخر بتعود العرب والعراقيين بتذكر أهلها "الرمزية" بعد الفناء، كآلية نفسية لا شعورية، وكأنهم يقنعون أنفسهم بأن الموت قد قضى على عامل المنافسة الذي كان متخيلا في الوجود. ونلتفت الى درس واحد فقط يتصل بما يمثله الموقف من عمو بابا أو بالمعنى الأدق ما يمثله التعامل مع غياب عمو بابا، ذلك العملاق الذي ولد مسيحيا، ونشأ عراقيا، وعولج كرديا، وشيع عسكريا، ونعي عربيا، وأقيمت على روحه الفواتح إسلاميا، درس يؤكد أن عمو بابا بحياته لم يحسب على أحد، حاكم كان أم طائفة أو دين، وفي مماته لم يستأثر برمزيته أحد، مذهب كان أم جماعه أو حزب متين.

من هذا الدرس نتعلم أن خدمة العراق من أي أحد وفي أي مجال ممكن هي الوطنية الحقة التي بدأها عمو بابا في مسيرته الكروية طويلة الأمد، وغيره آخرين، والوطنية التي سار على خطاها المرحوم لم تكن  حكرا على أحد من هذه الجماعة أو تلك، فالعراقيون المخلصون من كل الطوائف والأحزاب والأديان وطنيون بعملهم من أجل العراق، وإخلاصهم له، وإن الوطنيين النافعين من أمثاله هم غير المحسوبين على أحد في الحكم أو خارجه، وغير المصنفين من حصة أحد قريب من السلطة أو بعيد عنها، هم الذين يجمعون بعملهم وسلوكهم كل العراقيين من حولهم، ولا يفرقونهم حصصا تحكمها الأرقام، وهم الذين لا يثير وجودهم في المكان أي خلاف لأنهم من حصة الجميع.

إن المحاصصة، التي جاء بها الاحتلال أثبت التعامل مع وفاة عمو بابا أنها بدعة، وأن بإمكان الواقفين في الصف السياسي الأول لصحنها الكبير على أساس الكم المؤطر بالأرقام "المحاصصة" أن يغيروا من طريقتهم في الوقوف بعد أن أصطفوا متداخلين دون أرقام أثناء تشييع ودفن المرحوم عمو بابا، وإن المحاصصة التي سار على ركبها السياسيون العراقيون بعد التغيير وأمتثلت لمعاييرها الكتل والأحزاب في إدارتها للعملية السياسية، أثبتت وقائع الأحداث لست سنوات متتالية أنها آلية طاردة منفرة، أخرت عملية إعادة الإعمار، وأخلت بأمن وأستقرار العراق، وقربت البلاد من فكر التشرذم والتقسيم، واسهمت في إشاعة ثقافة التنكيل، وعززت من فعل الإعاقة، وقذفت بكثير من العلماء والمختصين إلى خارجها، وأستقطبت بدلا عنهم أنصاف متعلمين محسوبين على أطرافها المتحاصصين، إنها كارثة حقيقية يواجهها العراق، ستتعاظم آثارها السلبية إن لم يتجاوزها القادة بالتنازل عن بعض الأرقام والعودة الى الوطنية والكفاءة والنزاهة معايير حقيقية للوقوف بالمكان المناسب لخدمة العراق.   


7/6/2009