أوردت وسائل الاعلام يوم السبت 9 مايس الجاري خبرا عابرا عن قيام السلطات المحلية في محافظة صلاح الدين بمنع المعلمات اللواتي يرتدين البناطيل من الدوام في مدارسهن، وهو خبر يستحق الوقوف عنده ليس لأنه خبر غريب، فالغرابة باتت في المجتمع العراقي من كثرتها لا تستثير الاستغراب، وليس لأنه فريد من نوعه، فالتفرد هو الآخر غابت معانيه في هذا المجتمع، فلم يبق عامل دفع أو إثارة لسلوك الايجاب، بل لأنه خبر يحمل في طياته العديد من المعاني السلبية في الأداء الوظيفي والسياسي لبعض الحكومات المحلية من بينها:

أن الحكومة المحلية في صلاح الدين هذه المحافظة التي لم تشف من جراحها العميقة بعد، تعمل وكأنها منفصلة تماما عن واقع منطقتها الذي تغلفه طبقات من وهن التجانس الاجتماعي ومثيرات التوتر وعدم الاستقرار أو أنها تعتقد واهمة بأنها أستطاعت بايام معدودات إزاحة رواسب الارهاب وإرهاصاته ولم يبق لها شاغل سوى أرتداء البناطيل للتعامل معه معظلة تعيق أدائها العام، أو أنها تتصور بأنها قد تخلصت من كل التناقضات الطائفية في منطقتها فتوجهت إلى اللبس مشكلة تؤثر على تفرغها للصالح العام، أو أنها تظن بأنها قد تجاوزت العشائرية معايير قيمية في تعاملات أبنائها، فتفرغت إلى المظاهر الخارجية مسألة تخدش الحياء العام، أو أنها تتتخيل بأنها قد تصالحت مع البعثيين القيادين في محيطها، وأنهت مشكلة كبار موظفي الحكومة البعثية في منطقتها، وهدأت من قلق منتسبي الأجهزة الأمنية السابقين في قراها، وأقنعت كبار قادة الجيش السابق وضباطه في مدنها فخلقت نعيما لأهل صلاح الدين يكتمل فقط بمنع أرتداء البنطلون.

ومن بينها أي المعاني أن الجماعة ذات الصلة بهذا القرار في المحافظة لم يتخلصوا من توجهات الماضي في الإتكاء على الدين أو بعض ممارسات شعائره المظهرية في التعامل مع أزمة الحكم ومعانات الإنسان العراقي التي سميت في حينه بالحملة الإيمانية التي جاءت بمحصلتها في غير صالح النظام البعثي الذي سعى لفرضها بالقوة أملا في إنقاذ بقايا سلطته المتدهورة في العراق، فتوجهوا لأتباع ما تبقى منها في ذاكرتهم عسى أن يثبتوا مواقعهم ويقووا من سلطتهم بطريقة الاكثار من الممنوعات.  

ومن بينها أيضا أن المسئولين في هذه المحافظة لم يستطيعوا بإمكاناتهم المحدودة من تلقف رسالة بغداد التي تيقنت حكومة المركز فيها أن من بين حلول التعامل مع مثيرات التوتر والارهاب هو إعادة بغداد إلى سابق عهدها مجتمع متعدد التوجهات والاهتمامات والرغبات فسمحت بسبب هذا التيقن بعودة بعض معالم الترفيه والمتعة واللهو "لأغراض الترويح الانفعالي" التي حاول البعض في محافظات أخرى قبل صلاح الدين منعها بقوة السلاح.

أيا كانت المعاني التي دفعت بالسلطة التنفيذية المحلية في صلاح الدين باللجوء إلى أساليب التخلف والجاهلية في التعامل مع بعض مفردات الحياة التقليدية ضمن محافظتهم، فإن أصول الحكم ومنطق التطورفي الحياة يلزم بالقول أن اللبس مظهر شكلي لا يتوقف عند حدود محافظة صلاح الدين ولا حتى عند العراق حيث التأثير والتأثر بالمحيط العالمي سريع التأثير، وإن استطاعوا منع بعض أنواعه في حدود المدرسة والدائرة الحكومية والشارع فإن اشكاله الأخرى ستعود مع أول فرصة متاحة وبأساليب مبالغ فيها بحكم الميل إلى التعويض، وإنه اي اللبس مسألة شخصية تتعلق بحرية الإنسان لم يكن معيارا في اي مجتمع متمدن للحكم عن السلوك البشري ولا عن الأخلاق، لا يفترض أن يأخذ حيزا من جهد الحكومة ووقتها الثمين، وبدلا من هذا اللهو في الابتعاد عن صلب المشاكل عليهم البقاء في مقدمة الصف قدوة في التهدئة والامتثال إلى أصول الديمقراطية التي ترتكز على عمود الحرية أساسا في التطبيق، وختام القول على الأخوة في صلاح الدين وباقي المحافظات العراقية والمركز بغداد الأخذ بالاعتبار أن الإيغال بمثل هكذا ممنوعات غير منطقية يصب في خانة تعزيز سلوك التطرف المنتج للارهاب، لا يفيد المجتمع العراقي الذي بدأ خطوات التعافي من آثاره، وإن الذي يفيده المزيد من الحرية في الأعتقاد والفكر والملبس دون قيود شكلية يفرضها بعض المتطرفين سعيا منهم إلى الدخول للجنة دون حساب.

د. سعد العبيدي               10/5/2009