قُطعت رؤوس أجساد فارقت الحياة، وقُتلَ المشيعون ـ الجنازة ـ على الطريق العام إلى النجف الأشرف، وكان المجني عليهم من الأحياء، والأموات مسلمون غير معروفين للجناة ولم يكونوا مطلوبين ثأرا لأهل المنطقة ولا للجناة الحقيقيون، وهم كذلك مواطنون لم يسبق أن درجت أسمائهم في سجلات الشرطة مع الشقاة والمطلوبين، ولم يتهمهم أحد بأنهم قد أخّلوا بمعالم الشريعة الإسلامية والدين، إنهم فقط توجهوا إلى الدفن في وادي السلام كما فعل الآباء والأجداد. والجاني في الجريمة مجهولا وإن أتفق المغدورين، ومعارفهم وأبناء الطائفة أن المخططين هم جماعة الزرقاوي، وقوى الإرهاب، والمنفذين لكل فصولها وافدين مشبوهين من الخارج، وعراقيين منحرفين من الداخل لا هم لكليهما سوى القيام بفعل القتل أيما كان المقتول. والهدف في إطارها واضح ومعلوم قوامه دفع المجني عليهم، وأقاربهم، وأبناء طائفتهم باتجاه القيام بفعل القتل المقابل لآخرين هم أيضا أبرياء، وارتكاب جريمة بنفس المستوى من حيث الإثارة لأبناء طائفة أخرى كنوع من الأخذ بالثار يصعب السيطرة عليه في ظروف الضعف البين للأجهزة الأمنية الضابطة، وحالة الغضب العارم للمنفعلين.

وعوائل أمرت أن تغادر ـ تجلي ـ سكنها في الدورة، وأبو غريب، والعامرية، والشعب، وسلمان باك، وغيرها أماكن أخرى، ليس بسبب مخالفتها قواعد السكن، أو تجاوزها على المعايير والقيم الاجتماعية للمنطقة والمحلة، ولم يجر إجلاءها باتفاق وجهاء المنطقة، إنها فقط سكنت منطقة غالبيتها من أبناء طائفة أخرى ضنا منها أنها وإياهم جمع من العراقيين، أو إنها ورثت سكنها من أجداد لم تؤشر وقائع التاريخ أن أحدا منهم كان ممنوعا من السكن في أي من بلاد المسلمين. والجاني في هذه الجريمة بقي أيضا مجهول، وإن أتفق العقلاء من أبناء الطائفتين أنه عمل لا يقوم به مسلمون، وفعل لا يتعدى الزرقاوي والارهابيين يراد منه الدفع باتجاه ذات السلوك على أبناء الطائفة المقابلة.  

إن طبيعة الحوادث المذكورة في أعلاه، وغيرها التي تجري في العراق هذه الأيام تصنف في خانة التجريف البشري بهدف تكوين تجمعات سكانية طائفية يمكن أن تزاد كمية الحقد بين أبنائها وتوسع قاعدته لإشعال نار فتنة، وحرب أهلية تعجز الحكومة في حال حصولها من إدارة شؤون الأمة والبلاد، فيتقدم السلفيون والتكفيريون، ويتربع على كرسي حكمها أمثال الزرقاوي والتكفيريون فيأمرون بغلق صالونات الحلاقة، ويمنعون لبس البدلات الغربية، ويحولون دون تعليم المرأة، ويوجهون بركوب الدواب، ويغلقون محطات الإذاعة والتلفاز، ويحرمون دراسة الطب النسائي وهندسة الجينات، ويكفرون من لا يطلق اللحى، ويزيلون من على الخارطة كل نادي ومسبح وملعب كرة ومقهى أنترنت، ويحكمون بالإعدام من يقرأ كتابا عن الجنس، وقصص ألف ليلة وليلة،  ويبدلون المدارس بالكتاتيب، والكليات بمراكز التلقين، ويمحون من على الأرض قبور الآباء والأجداد، ويفجرون التماثيل ومعالم الحضارة والآثار، ويسمحون بتناول الأفيون والحشيش بدل الكحول المحرم والممنوع، عندها سيدرك من سايرهم أنه قد أخطأ بحق الأهل والدين، وسيشعر أهل السنة، والشيعة في العراق أنهم في غير هذا الزمان، وإنهم قد عادوا إلى سابق العهد مئات، بل آلاف السنين وعندها سينحرف البعض، وسيهاجر البعض، ويموت انتحارا البعض، ويجن البعض، ويغير دينه البعض، وبعد فوات الأوان سيحاول أهل القاتل، والمقتول إعادة حساباتهم، وسيتذكر من سكت عن ارتكاب جريمة القتل والتجريف، أو تعاطف مع القائمين بها لإشباع ميوله الطائفية المريضة أنه مشارك بها، وسيحاول المغرر بهم من أبناء الطائفتين أن يحسبوا جسامة أفعالهم فيجدون جميعا أن الوقت لا يسعفهم والثمن المفروض يدفعونه جميعا من أرواحهم وأموالهم وحريتهم، وسيخرج من خطط لكل هذا مناديا بأعلى صوته أن الإسلام لا يصلح دينا للحكم والحياة.         

د. سعد العبيدي            23/3/2006