من يرى الطائفية " مشاعر الاعتقاد بصحة الرأي إحادي الجانب"  لم تكن موجودة في عراق الأمس، وممتدة في أعماق تاريخه السحيق فهو واهم، لأنه أي التاريخ قد شهد انحيازات واضحة المعالم في الساحة السياسية إلى حاكم ما لمجرد الالتقاء معه في القالب الطائفي وإن كان ظالما، ، وشهد في نفس الوقت معارضة شديدة البأس لحاكم آخر بسبب الاختلاف معه في التكوين الطائفي، وإن كان منصفا..... وأنحيازات، ومعارضة من هذا النوع توجهات في النفس تفسر دوافعها في إطار التعاطف والتنافر الطائفي معظم الأحيان.  

وشهد تاريخ العراق وساحته العسكرية مواقف مناصرة لحكم العثمانيين، والسلاجقة واضحة المعالم، وكذلك مقاومة لوجودهما واضحة المعالم أيضا، والمناصرة ونقيضها المقاومة في العقل الجمعي العراقي بدأت من الأعتبارات الطائفية.

وشهد العراق لما بعد الاحتلال الأجنبي، والشروع بتأسيس الحكم الوطني عام 1920 تأييد واسع من قبل البعض لصيغة الحكم الموجود يومها، ومعارضة واسعة من قبل البعض الاخر، ومشاعر التأييد والمعارضة في التكوين الثقافي العراقي ذات منشأ طائقي على الأغلب.   

وتكرر المشهد الطائفي في رسم المواقف الشعبية من الحكم، وطبيعته بعد ثلاث وثمانين عاما ولو بشكل معكوس، حيث التأييد غير المشروط لعملية التغيير وإقامة نظام حكم جديد بعد عام 2003 من قبل البعض دون الخوض بتفاصيل الوسائل والأدوات، وحيث المعارضة غير المتفحصة للتغيير من قبل البعض الاخر دون الرجوع إلى بؤس الحاكم السابق، وشقاء المحكوم ....... وهما اتجاهان متناقضان للتأييد، والمعارضة في التفكير ذات أسس  طائفية.

ومن يعتقد أن المشاعر والاتجاهات الطائفية التي لم يسمح لها بالخروج إلى السطح في الأزمنة السابقة، إلا في بعض المواقف المتفرقة، وحالات النقاش غير المتكافئة يمكن أن يوقف الخوض في غمارها فهو واهم أيضا لأن إنفعالاتها التي أرهقت النفس ردحا من الزمن قد تحررت من مكامن كبتها بطريقة لا يمكن السيطرة عليها في زمن التحرر والانفتاح.                  

ومن يتصور أنه سوف يبقى بعيدا عن نار الطائفية التي يزيد الحطب في مواقدها خلال المرحلة الحالية بعيدا عن منطق الحوار المتأني، والنقاش المتحضر للتعامل مع إنفعالاتها السلبية التي تحررت فجأة فهو واهم أيضا، لأن سعيرها سيحرق أولا أولئك القريبين من بؤرها، والداعين إلى أشتعالها وسيمتد أفقيا ليأخد في طريقه الأخضر واليابس، وكثير من الضحايا الأبرياء. الأمر الذي ينبغي التنبه إليه من قبل العقلاء والمصلحين والسياسيين والوجهاء النزيهين، والشباب والمثقفين، والسعي الحثيث لتنبيه باقي العراقيين إلى ضرورة تطويق النار التي يراد لها أن تشتعل، وإلى فضح أولئك الذين يصبون الزيد على مواقدها،لأنها السلاح المتبقي لتدمر ما تبقى من العراق.

د. سعد العبيدي                              26/8م2005