لا يختلف إثنان من بين العراقيين والعرب أن المرحلة التي يمر بها العراق حاليا، مرحلة حرجة بالمقاييس السياسية والاجتماعية، ولا يختلفوا كذلك في إن السبيل إلى تشكيل الحكومة، ما بعد الانتخابات التي جاءت نتائجها متقاربة، فيه قدر من الغرابة، تكفي شحناته النفسية إلى تعزيز تلك الحراجة، وإلى زيادة شدة تأثيرها على النفوس، وبضوء هذه الحراجة يجوز تصنيفها مرحلة خطرة، يصعب التكهن بنتائجها، إذا لم يتم التحسب لها، والتعامل معها بشكل صحيح، لأن الشعب العراقي فيها، قد خرج توا من إحتراب طائفي، وصلت مستوياته قريبا من حافات الحرب الأهلية، وهو وإن تجاوزها نسبيا، إلا إن أبناءه، ودون أن يشعروا أبقوا في ذاكرتهم القريبة، أو إبقيَّ في ذاكرتهم هذه، قدر من الإنفعال الاحتقاني، قابل للعودة السريعة إلى الشعور، وتحريك سلوك التطرف والإحتقان ثانية، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة أن الذي كان موجودا من هذا الانفعال السلبي طيلة السنوات الماضية، لا يمكن تبديده في الهواء وإن إراد صاحبه التبديد،، ولا يمكن إذابته في جوف الإنسان، وإن رغب صاحبه التخلص منه بالإذابة، بل عادة ما ينتقل بشكل شحنات إنفعالية من الذاكرة الآنية، إلى الذاكرة البعيدة، عبر مرور له بالقريبة، مرورا يستغرق فترة زمنية، قد تطول أو تقصر تبعا لتكرار الأحداث ذات الصلة به، وخلال وجوده، القريب في هذه المنطقة من العقل، تكون مستوياته قادرة على دفعه بإتجاه العودة إلى الشعور"الذاكرة الآنية"، ومن ثم تحريك سلوك التطرف والاحتقان ثانية، وهنا مكمن الخطر.

إن الوضع النفسي للمجتمع العراقي الآن، هو وضع يشبه وضع المجتمعات التي تخرج من أزمة أو ما يسمى مجتمعات ما بعد النزاع، التي تتعايش في حالتها النفوس مشاعر شتى، ورغبات متعددة، وإتجاهات مختلفة، تمتد بين الرغبة في نسيان الماضي المؤلم، وتشبث العيش في واقعه المثير.

بين السعي إلى التسامح لأعمال أرتكبت، والميل إلى الانتقام من أفعال حصلت.

بين الثقة بالقادم، أملا في عيش أفضل، والشك في سبل الوصول إليه.

بين القبول بالمصالحة واقعا محتوما للعيش والتفاهم، ورفض بعض نتائجها المبنية على المساومة، وإرهاصات الأمر الواقع.

وهو بالتالي واقع، يتحتم النظر إليه، مثل النظرة إلى مصاب يتماثل إلى الشفاء، وفي طريقه إلى التماثل هذا، يحتاج إلى فترة نقاهة، تساعده على نقل إنفعالاته المريضة إلى الذاكرة البعيدة، إلى محتوى اللاشعور، غير الكافي لإثارة الإحتقان، لأنه وعلى الرغم من تجاوزه مرحلة الخطر الذي تسببت بها إصابته البالغة بذلك الاحتقان، لكنه لم يتجاوز آثارها، أي لم يشف تماما، عليه إذا لم يجد الرعاية المناسبة، وهي في مثل حالة العراق الحالي: تهدءة المشاعر، صدق النوايا، سلامة تنفيذ الوعود، طمأنة من عدم التهميش، تحقيق المصالح العامة، عدم التدافع على المناصب، وغيرها من أعمال الرعاية غير الموجودة في ظروف العراق الحالية، التي قد تعرض المغالاة في الإخلال بها حال العراق المصاب إلى الإنتكاس والعودة إلى سابق العهد، إصابة بذات الداء، وبدرجة أشد تدفع المعتلين، وهم كثر إلى إرتكاب أفعال قد تفوق شدتها تلك الأفعال التي نفذوها في السابق، عندها سوف لن يجد السياسيون المفترض أنهم مسئولون وجدانيا عن ديمومة النقاهة، مجالا للإبتعاد عن شظايا الإصابات التي ستتطاير بكل الاتجاهات.


19/4/2010