في الدول الغربية التي تقدمت كثيرا عن غيرها من المجتمعات في فهم الديمقراطية وتطبيقها يكلف الفائزون في الانتخابات بنسبة ال 51% فما فوق بتشكيل الوزارة، ويقبل الآخرون النتائج برحابة صدر ويبقون في الصف المواجه للحكومة رقباء عليها، دون أن يناقش أحدهم أو يتطرق إلى الثمن الذي يستحقه والمجموعة التي انتخبته عددا من المقاعد الوزارية، وفي الظروف الصعبة وفي دول أخرى تقترب في نضجها الديمقراطي من الغربية يسعى الفائزون الذين لا يؤمنون أغلبية مطلقة في البرلمان إلى تأمينها بالاتفاق مع آخرين خارج كتلهم النيابية عن طريق الائتلافات المتفق عليها لحسم الأمور وتقليل العرقلة التي يمكن أن تحدث عند طرح البرامج السياسية المطلوب تطبيقها، وفي حالتها تتكون أغلبية تسهم في التشريع لصالح الحكومة وأقلية تراقب حركتها وتنتقد ما تعتقده غير صائب في مجالها دون أن يفكر أحد من بين أعضائها باستحقاقاته ومجموعته مقاعد وزارية كمؤشر للتمثيل العام في المجتمع والدولة.

أما نحن في العراق الذي نعد مبتدئين أو ساعين إلى تطبيق الديمقراطية وبسبب تعقيدات تركيبتنا الاجتماعية حيث التعدد غير المتجانس للأقوام والطوائف والأديان والعشائر والجماعات. وإختلالات تركيبتنا النفسية حيث الرغبة المفرطة في تأكيد الذات، والسعي لحمايتها وتوسيع المكاسب، والميل إلى التقليل من قدر الآخرين واتهامهم. واضطرابات مشاعرنا الوطنية حيث الولاء الأقرب في كثير من الأحيان للمذهب والمنطقة دون العراق، والتفضيل البيّنْ في بعض الأحيان للمصلحة الخاصة على العامة، والسعي في اغلب الأحيان لتقوية المجموعة والحزب على حساب القوة المفترضة للعراق، ومحاولات مد الجسور في قليل من الأحيان مع الخارج قبل التفكير بدعم وتقوية ما موجود منها داخل العراق.

بسببها جميعا ونتيجة النقص الموجود في عمليات الإدراك الصحيح لماهية الديمقراطية بين العموم، والتشويه الحاصل في السلوك اللازم لتطبيقها، والجهد المبطن للإعاقة والتشويه وجد الساسة المعنيون بالتغيير وإعادة البناء بعد 9/4/2003 أنهم أمام واقع عراقي لم تكن تناقضاته ملموسة من قبلهم إبان فترة النضال والدعوة إلى الديمقراطية، إذ توجه على سبيل المثال من قاتل صدام مطالبا  بالثمن المدفوع للتضحية دورا في العهد الجديد، ومن صمد ولم يصفق للقائد الضرورة أيام الشدة سعى للحصول على الثمن اللازم للصمود مكانا في الصف الأول، ومن رقص خلسة في حضرته من شيوخ الفئات (أ ، ب ، ج) أشترط الحصول في طريقه للتصفيق والرقص بإيقاع جديد على مكاسب شخصية تفوق تلك التي حصل عليها أيام زمان، ومن وضع خطط الحروب والغزوات وأدى التحية للتمثال خارج الضوابط العسكرية سارع هو الآخر لاستثمار الفوضى واضعا جهده وخبرته في خدمة الحكومة أو بالضد منها تبعا للمكاسب وكم التحصيل. ووجدوا أي الساسة أن هذا الواقع من التعقيد حدا لا يمكن التعامل معه إلا من خلال التوافق والمحاصصة ضمن ديمقراطية يشترك في حكم البلاد من خلالها الرابح والخاسر، المؤيد والمعارض، القادر وغير المقتدر تحت بند الاستحقاق، وهي ديمقراطية وإن كانت دواءً لأمراض الحاضر، إلا إن آثارها الجانبية إذا لم تحسن النوايا وإن كانت في إطار الديمقراطية يمكن أن تنعكس على المستقبل فرقة طائفية وتشظي قومي يقود البلاد إلى المجهول.      

د. سعد العبيدي                                                1/5/2005