إن الديمقراطية التي أنتظر الشعب العراقي تطبيقاتها طويلا، لم يأخذ أعلبيته في أعتبارهم أن طريقها طويل كما هو حاصل في الوقت الحاضر، ولم يضعوا في أعتبارهم أيضا أن هذا الطريق مليئ بالألغام التي بثت في عموم أرضه المترامية الأطراف إبان العهد الصدامي، والحق معهم عند النظر إلى الموضوع نظرة تأملية، لكنه حق لا ينبغي الاستسلام لانفعالاته المؤلمة، بل وعلى العكس من ذلك تماما إذ يحتم المنطق ضرورة التوجه إلى تفسير ذلك كنتيجة حتمية لأسباب عدة بينها سعة القهر الذي أحسه شعب بأكمله من ديكتاتورية حكم فردي تعسفي لأكثر من ثلاثة عقود دفعت غالبيته نفسيا إلى أستعجال الخلاص من قهر تراكمي محسوس بالتأمل في التحرر من أعباءه ديمقراطيا، وعلى أساسه أصبح  الاحساس بالزمن مثير وبمعالم ضغط شديدة تفوق تلك التي تحصل في الظروف الطبيعية.

وبينها قلة الخبرة وندرة المعرفة بمجال يتعلق في معظمه بسلوك الديمقراطية العملي، التقدمي، المنفتح، المتسامح في مجتمع في أغلبه لفظي، أزدواجي، نفعي، ينكص في بعض جوانبه إلى السلفية، وينحو في بعض أحيانه منحى الانغلاق على الذات المناطقية، وعلى أساسه تكّون نوع من الصراع باتجاهين يسعى فيه الأول التقدم إلى الأمام بهدف تحقيق الديمقراطية بخطوات يقودها دعاة ومريدون مخلصون، ويحاول فيه الثاني الرجوع إلى الخلف بعيدا عن الديمقراطية بمساع يقوم بها جهلة ومستفيدون...... صراع يعيق التطبيق الصحيح للديمقراطية.

وبينها كذلك عوامل الإعاقة الخارجية إذ أن التطبيق الفعلي للديمقراطية في العراق لا يتعلق بأبناء شعبه المتعطشين إلى تطبيقاتها العملية بعد أن تيقن العديد من حكام وأبناء المجتمعات القريبة على وجه الخصوص أن الخطر قد يطالهم فعمدوا مع آخرين من خارجها إلى وضع العراقيين في ساحة قتال أطرافها عرب متوجسون، ومسلمون قلقون، وجيران يتحسبون، وأجانب يكسبون، ومن الداخل مستفيدون ومتضررون، فاضافوا بدخولهم الساحة مزيدا من التعقيدات على تعقيداتها التقليدية حتى بات من الصعب حساب النتائج في محيطها، ومن الصعب القبول أو الاستسلام لما ستئول إليها تلك النتائج، الأمر الذي اثر سلبا على التوقيتات الخاصة بتطبيق الديمقراطية وأمد من زمن الوصول إلى حافاتها الأمينة.

ومع هذه الإعاقة وكثر التلكؤ والتأخير، والتسابق إلى المحاصصة، والالتفاف والمساومة في تأمين الغايات الذاتية القريبة على حساب العراق الديمقراطي الفيدرالي التعددي المستقر التي حصلت وما زالت تحصل بعد الانتخابات الأخيرة يمكن القول: إن الخطوات التي تمت إلى الأمام في خضم الصراع المذكور في أعلاه تفوق نسبيا تلك التي تحاول جر الركب إلى الخلف حيث التقاتل والاستعلاء والديكتاتورية. وإن التأخير الذي حصل في حسم الموقف ديمقراطيا وإن كان في حد ذاته تعبير عن قلة الخبرة وعدم تحمل المسئولية فإنه من جانب آخر يمكن أن يحول دون التباعد أو حتى التصادم بين المكونات الرئيسية للمجتمع العراقي الذي يريده ويغذيه البعض لتعطيل الديمقراطية. وإن الدروس التي يمكن الاستفادة منها في خضم الإعاقة والمساومة والتأخير هي أن الديمقراطية الحقيقية في حكم الشعب لنفسه هي الحل الوحيد لتناقضات هذا المجتمع العريق. وإن من يريد أن يبنيها على اسس صحيحة عليه أن يغض النظر عن بعض المطالب الذاتية القريبة وأن يفكر بكل مكونات هذا الشعب الأصيل. وإن التجاوز المتعمد لبعض مكوناته وإن كانت بسيطة سيعيق الديمقراطية وسيخلق حتما  بؤر صراع وتوتر لا يستطيع العراقيون تحمل تبعاتها، بعد أن أرهقهم كثر التوترات. وإن على الجميع أن لا يبتأسوا لأنهم قد تجاوزوا منتصف الطريق إلى الديمقراطية رغم أن المتبقي لا يخلوا من المخاطر والعقبات.                   

د. سعد العبيدي                                                        22/3/2005