بدأت الحرب على الأرض العراقية وأنتهت صفحتها الأولى بسهولة لم يكن يتوقعها الحلفاء طرفها الأول بعد أن وضعوا في حساباتهم مقاومة ولو من النوع التقليدي لعدة أشهر في الوسط والجنوب وبعض مناطق الشمال، وكذلك صدام طرفها الثاني الذي وضع في مخيلته سحب الخصم إلى قتال مدن يشتت جهد قواته ويكبدها خسائر في الأرواح لا يمكنه تحملها إنسانيا، إذ لم يقاتل العسكري العراقي عمليا كما كان معهودا له في الحروب السابقة، ولم يدافع الحزبي البعثي كما هو مفروض فعليا، ولم تتدخل قوات النخوة ولا الاحتياط القريب وغيرها من التشكيلات التي توهم الحاكم أنها ستكون مصدات أو قوات لامتصاص زخم الهجوم وتوجيهه إلى المدن دون بغداد مقره الحصين. وأنتهت تلك الصفحة سريعا أذهلت المراقبين، ودفعت العراقيين وغيرهم من المقيمين في العراق إلى إنتظار التطورات الحاصلة في الموقف بمشاعر كانت مزيجا من القلق، والدهشة، ولذة التخلص من عبئ الماضي، وأمل التطلع إلى المستقبل، أو بمعنى أدق خليط من فرح بالخلاص" من الديكتاتورية" وغصة من فعل التخلص" على يد الأجنبي"  وأمل في التحقيق "الديمقراطية". وفي ذلك الزمن المضغوط حتّمَ الموقف النفسي منطقيا إختلاط المشاعر بسبب صدمة التغيير، لكن غير المنطقي في مجاله أن ينكفأ العديد ممن حمل مسئولية إدارة الدولة والمجتمع على أنفسهم ويتوجهوا لإشباع حاجاتهم النفسية والمادية التي شعر بعضهم أنه قد حرم منها لعديد من السنين، فنسوا أو تناسوا دون عمد أن الخطوة الأولى باتجاه قيادة البلد نحو التحقيق الأفضل للمستقبل الآمن، والسيطرة الفعلية على المجتمع القلق هي إعادة التجانس النسبي  لذلك الخليط، إذ وبدلا من التدخل لفعله تُرك الأمر على الغارب خلافا للمنطق الصحيح. فمشارع الفرح بالخلاص لم يتم تعزيزها أو توسيع رقعتها بعائد ملموس للخلاص، إذ قسمت على سبيل المثال السلطة بين التسعة إحتكارا فتقلصت فسحة الفرح في عقول آخرين من خارجها، ووزعت الوظائف والمقاولات والهيئات الدبلوماسية على القريبن من التسعة والراشيين فضاقت مساحة الفرح في نفوس آخرين، وصحا الجمع على عدم قدرة المعنين في إعادة الكهرباء والماء والمجاري كما يجب، ومكافحة الجريمة والارهاب والبطالة وغيرها كما هو مطلوب فانحسرت مجالات الفرح في دواخل آخرين، وهكذا قل الفرح الذي يفترض به أن يتوسع وزاد من عدم تجانس الخليط. والغصة من فعل التخلص على يد الأجنبي مشاعر يفترض إزاحتها من العقول تدريجيا لتنقية الخليط حصل في مجالها العكس إذ وبدلا من أن تتركز الجهود في السنة التي أدار فيها مجلس الحكم وبريمر العراق على إعادة تنظيم الجيش والشرطة وأجهزة الأمن الداخلي كقوى ضابطة تحل محل القوات الأجنبية في السيطرة والضبط تلمس العراقيون أن ما جرى فيها مجرد خطوات بطيئة ومشوهة لا توفر قدرة لإحداها في التعامل مع أزمة قتال في قرية دخلها أجانب يسعون إلى القتال، وبسببها بقى العسكر الأجنبي وسلطته في الشارع والمدينة وقريبا من القرية، فضاعف وجوده من عدد الذين يشعرون بالغصة، بل وتحولت تدريجيا عند البعض  إلى مشاعر عدوان زادات من تعقيدات الخليط. أما الأمل في تحقيق الديمقراطية والرفاه ورغم صعوبتهما في مجتمع عانى عقود من البطش والديكتاتورية، وجد المتأملون في مستقبلهما أن هناك إحتكار مبطن في الحكم وميل للاستحواذ، وهناك صياغات ذكية لامتداد السيطرة على الانتخاب، وهناك أفكار للمؤامرة ما زالت في عقول المعنيين وعمل جاد للاقصاء، وهناك تحوير في النوايا والشعارات، وإعادة تفعيل لقوانين الماضي وهناك ضعف في الأداء، عندها تحولت كثير من مشاعر الأمل إلى إحباط وزادت من إضطراب الخليط وعدم تجانسه حدا سوف لن يبق أصحابه متفرجين أو محايدين لما يدور من حولهم وقريبا من مشاعرهم إذ إنه ومن الناحية النفسية وكلما تغيرت المشاعر بسبب الظروف المحيطة إيجابيا على سبيل المثال كلما وجدنا الفرد متجها للمساهمة في البناء ساعيا إلى تحقيق الاستقرار، والعكس من ذلك صحيح كلما تشبع العقل بمشاعر السلب نجده متجها بدوافع نفسية إلى المساهمة في أشاعة الفوضى والاضطراب سعيا منه للتخلص من ضغوط تلك المشاعر، وهذا مؤشر حاصل بنسب غير قليلة في عراق اليوم، و يمكن أن يحصل بنسب أكبر إذا لم تتنبه الحكومة إلى ضرورة تعديل خليط المشاعر وتعمل على إعادة تجانسه من جديد.                     

د. سعد العبيدي                               10/9/2004