حبس العراقيون أنفاسهم لما يقارب الشهر وهم في حالة ترقب ينتظرون ما ستسفر عنها جهود السيد نوري المالكي في موضوع تشكيل الوزارة حتى تنفسوا الصعداء ظهر يوم السبت الموافق 20/5/2006 عندما تيقنوا أنها قد تشكلت بالفعل، وحظيت بموافقة البرلمان، وأقسمت اليمين الدستورية مثلها مثل غيرها من دول العالم. وحبس العديد من المرشحين لتولي المناصب الوزارية أنفاسهم أيضا، وهم في حالة قلق شديد طيلة الأيام الأخيرة بسبب احتمالات التغيير في ترشيحاتهم خلال الدقائق الأخيرة لاعتبارات التوافق الوطني، وفلسفة الحكم على وفق مفهوم الوحدة الوطنية، وحسابات المصالح الشخصية داخل القوائم والكتل البرلمانية، حتى تنفسوا الصعداء عندما أعلن السيد المالكي الأسماء بملء فمه فبات واقعا محتوما. وحبس السيد رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الوزارة أنفاسه أيضا لمدة شهر كامل حاول فيها الإقناع، والاقتناع، الصد، والهجوم، المناورة، والتصويب، حتى ألف وزارة ضخمة بكثرة أعدادها تعكس مصاعب التوفيق في تشكيلها بين كتل قاتل بعض رؤسائها لشهر كامل من أجل زيادة حصته وزارة واحدة قد يشعر بالعظمة بإضافتها، أو يرضي أحدهم هدد بتركه في منتصف الطريق إن لم يتولى منصبا وزاريا، دون أن يدركوا تماما أن حصتهم في العراق تتناقص يوميا. وقاتل بعضهم الآخر لاستبدال وزارة بأخرى، قد تزيد من وجاهته بين الأهل، والأصدقاء، وأبناء العشيرة، والمنطقة، أو تقدم لكتلته منفعة توسع هامشها في التأثير دون أن يلتفتوا إلى الوراء ويتبصروا بواقع الحال الذي يؤكد أن  الحياة بمختلف شؤونها تستبدل في العراق. وتنبئ سعة حجمها كذلك بصعوبة إدارتها في المستقبل القريب، والبعض منها ما زال يشعر أن مجرد خروجه منها يفشل الوزارة، والعملية السياسية على حد سواء، وتؤشر أيضا حجم الأعباء المالية الضخمة للرواتب، والمكاتب، والمستشارين، وهيئات السكرتارية، وأفراد الحماية، وغيرها التي سيعاني السيد المالكي من صعوبات حلها، والسيطرة عليها وسط أجواء التربص، والمنفعة التي سادت في السنوات الثلاثة الأخيرة، واتسعت رقعتها الآن.

لقد تنفس الجميع الصعداء، وانتهت مرحلة وبدأت أخرى لا حاجة فيها إلى حبس الأنفاس التي أرهقت العراقيين طيلة ثلاثة عقود من الزمان، وما نحتاجه فقط تلك النوايا الحسنة، والهدوء الفاعل لأعضاء البرلمان في نقاشاتهم ومداخلاتهم أملا في نقل معالم الهدوء وحسن النية إلى عموم أبناء المجتمع العراقي وهم يعانون أعلى درجات التوتر، والاضطراب. وما نحتاجه أيضا أن يَستَبدِلَ بعض الأعضاء لغة التحريض التي أوصلتهم إلى البرلمان في ظروف صعبة، بلغة التهدئة التي يحتاجها العراقيون بعد أن وصلوا أو أوصلوا إلى حافة الاقتتال. وما نحتاجه كذلك أن يترك البعض من أعضاء البرلمان صيغ التآمر، والرغبة بالتجاوز، والسعي للإفشال، التي خبروها في الطريق إلى كرسي البرلمان ، ويلتزموا المصالحة، والتواد، والتفاهم  بعد أن وضعوا بسلوكهم الخطأ عراق الجميع على حافة بركان، وما نحتاجه أن تنتهي فلسفة المحاصصة، والرغبة بالتحصيل، والسعي إلى زيادة هامش الربح، والتوجه إلى تقليل الخسارة. وما نحتاجه في نهاية المطاف كثير من التمنيات سيجدها المالكي على طاولة مكتبه، مع أدعية صافية بالنجاح، ومحاولات مغلفة بالإعاقة، لا يملك العراقيون في مجالهما إلا الصلاة من أجل قدر من النجاح قد يعيد هذا البلد العريق إلى سابق العهد وطن آمن للجميع.

د. سعد العبيدي      20/5/2006