في أوقات الشدة تضعف الدفاعات النفسية للإنسان، وبسبب ضعفها تخرج العديد من الأفكار المكبوتة والانفعالات المصاحبة لها، بطريقة قد تكون غير مألوفة للمحيطين في بعض الأحيان، وكانت أحداث الأربعاء 19/8 الدامية في بغداد، بدوافع السعي لإثارة الفتنة من جديد، وإعاقة العملية السياسية التي تتهيأ لمرحلة الانتخابات في غضون أشهر معدودات، وأمور أخرى، وما نتج عنها من خسائر في أرواح الأبرياء، تعد من الناحية النفسية الأشد ضغطا وإيلاما لعموم العراقيين، بينهم السياسيين والعسكريين والبرلمانيين والأمنيين، وغيرهم العاديين الراضيين بعيشهم تحت خط الفقر في ظروف البلاد الصعبة. وهذا المستوى من الشدة الذي اضعف أو عطل الدفاعات النفسية أنتج تبادل للاتهامات بين جميع الأطراف في ملعب السياسة العراقية، ولكثرة هؤلاء اللاعبين، سوف نتجاوز في مناقشتنا هذه، أفكار جلهم، ونحاول المرور بجانب السياسيين البرلمانيين، ورجال الأمن في تبادلهم إتهامات الخرق الأمني، بعد أن شمر البعض من البرلمانيين سواعدهم سريعا، وقبلَ أن تتضح الصورة، ليتهم قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية بالتواطئ والتقصير، بعد أن سجلت أحداث الأربعاء خرقا، لا يمكن التغاضي عنه بأي حال من الأحوال، وللإنصاف يمكن القول أن الأجهزة المعنية بالمحافظة على أمن المواطن والبلاد، تتحمل المسؤولية الاعتبارية عن ما حصل، وعليها التفكير بطريقة تعبر من خلالها عن هذه المسؤولية، إلا إن البرلمانيين الذين يناصبون العداء لكل ما هو عسكري وامني، يتحملون من جانبهم نصيب من هذه المسؤولية، بعد أن عطلّوا قوانيين تخص الخدمة العسكرية، دون أن يسأل أحد منهم نفسه، كيف يمكن لعسكري أن يتوجه للميدان، يقبلُ أن يَقتل عدو للعراق، ويتقبل فكرة الموت من أجل العراق، بغياب قانون يحميه، ويوفر له حياة كريمة عند الإصابة، ولذويه عند الاستشهاد؟، وكيف يتقبل العسكري أن يقف في نقطة السيطرة لعشر ساعات في هذا الجو اللاذع بكامل معنوياته ليرصد، ويتابع، ويشخص، ويجازف، ويستشهد، دون قانون يجعل وقوفه هذا خدمة وطنية، لها تقدير واحترام وأجر يفوق الخدمة المدنية في الهواء العليل. وبعد أن شكك بعضهم بجهاز مكافحة الارهاب إلى حد عده غير شرعي، دون أن يسأل نفسه، كيف يمكن إيقاف المد الجارف للارهابيين دون جهاز يعيق تدفقهم؟، وكيف يمكن أن تحصل عملية الردع للحيلولة دون تدخل الغير في إشعال فتيل الارهاب، وإدامة القتل دون جهاز يحقق ذلك. ودون أن يسأل غيره من العارفين، كيف يمكن للأجهزة الأمنية أن تعمل بكفاءة بعد أن أفرغت من المهنيين والاحتصاصصين بسب قوانين البرلمان، وكيف لها أن تؤدي مهامها باقتدار دون وجود دعم مالي وفني يؤهلها لحمايتهم وباقي المواطنين من ريح يراد لها أن تبقى فاعلة لتعصف بالعراق؟، عليه وللانصاف، لا يحق لهم أن يتهموا بهذه الطريقة القاسية، وبدلا من الاتهام غير المبرر، عليهم أن يراقبوا الأداء، الذي لم يصل الى المستوى المطلوب وهذا من حقهم، ويرصدوا الفساد الذي لم تنظف منه غالبية تلك الأجهزة، وهذا من واجبهم،  وعليهم أن يوحدوا مواقفهم من التدخلات الخارجية التي لا تقوى وأية أجهزة أمنية على التصدي لها وحيدة بالميدان. إنها معادلة وحقائق لا يدرك البعض من البرلمانيين والسياسيين المنتقدين في مجالها، أن الأجهزة الأمنية والعسكرية في جميع دول العالم تعمل ضمن مضلة أمنية يوفرها السياسيون، إلا في العراق الذي يريد فيه البعض منهم أن يكون العسكريون والأمنيون مثل خبز باب الأغا: حار ومكسب ورخيص.

21/8/2009