ورثت سيدات الأجيال الماضية تقليدا يتعلق بالدعوة من الله العلي القدير أو من الإمام الكاظم عليه السلام بطلب حاجة ومعها تَنذرُ أن توزع للناس عند تحقيقها ما يسمى بحلال المشاكل الذي يتكون في العادة من خليط من أشياء منتجة معظمها من السكر ومعه الزبيب، وهو نوع من النذور يقتصر على النساء، رخيص من حيث الثمن، بسيط في تكوينه بمستوى يتلاءم وبساطة أيام زمان، أوجدته حاجة السيدات غير المتعلمات للاطمئنان النفسي في التعامل مع ضغوط الحياة وعوامل المجهول.  وهذا النوع من النذور يكاد يختفي في المدينة وبين المتعلمات في وقتنا الراهن، وما تبقى منه القليل يكون أغلبه بالريف وبين المسنات من سكنته والمناطق الشعبية. لكنه عاد إلى الظهور بمنطق آخر وتبعا لحاجة من نوع آخر لا يتعلق طلبها من الخالق عز وجل، ولا بالترجي من الأولياء الصالحين للتدخل في تحقيقها، بل وباستخدام القوة في فرض تحقيقها. إذ حدث في أحد المدن القريبة من بغداد قبل أيام أن توجه رئيس البلدية لفرض هيبة الدولة في شوارع مدينته وأول إجراء في مجالها إلزام المتجاوزين على أرصفة الشوارع بتركها وإنهاء التجاوز، وكان من بين المتجاوزين نائب ضابط في الجيش القديم أرهقته ظروف العيش الصعبة، وحطمت معنوياته قرارات حل جيشه الذي أحترف العمل بصفوفه مقاتلا في صنف المشاة، فتوجه إلى البيع المباشر لحاجيات مختلفة يضعها في (جنبر) حجز له على أحد الأرصفة مكانا لا يزيد عن المترين المربعين. فتصادف أن يكون هذا البائع أول المواجهين لإجراءات البلدية التي أشعرته بالحيف والإحباط من قسوة الحياة التي لم تترك له خيارا في الكسب سوى هذه الطريقة البدائية، فزادت شدة العدوان في داخله بسرعة دفعته للتوجه إلى رئيس البلدية وهو يؤكد لزملائه البائعين أنه سيحسم الأمر عن طريق حلال المشاكل، وبعد وصوله بناية البلدية دخل غرفة رئيسها عنوة رغم وجود الحرس وبعض المراجعين، وأكد له بانفعال شديد ودون مقدمات أنه كان نائب ضابط في جيش أحتفظ لذكراه بقاذفة كان قد أستخدمها بكفاءة عالية ضد الدروع أيام الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها، وإنه مستعد لاستخدامها ضد البلدية ورئيسها إذا ما تهدد مصدر رزقه الوحيد، عندها تصرف المسئول الحكومي بحكمة عندما تيقن بجدية المعني في استخدام القاذفة في ظروف الانهيار النفسي شبه التام، فأمر المراقبين على الفور أن يبقى النائب الضابط وآخرين في أماكنهم على الرصيف ناصحا إياه أن يسلم قاذفته إلى الجهات الرسمية لأنها وبقدر مساهمتها في حل مشكلته الحالية ستدخله في مشاكل قد لا يجد لها حلا في المستقبل المنظور.     

وفي متابعة لهذا الموضوع يتبن أن حلال المشاكل ( سلاح القاذفة ) مصطلح قد شاع استخدامه بين أوساط اجتماعية تحتل الشارع العراقي يعبر وجوده الفعلي عن استعداد البعض لاستخدام القوة المسلحة ضد أجهزة الدولة لتحقيق غاياتهم الخاصة، وعن عدم انضباطهم وكذلك تمردهم على الدولة وأجهزتها، واختلال مفاهيمهم الخاصة بسلطتها في تنظيم وإدارة المجتمع، هذا من جهة المواطن أما من جهة الدولة فإن الحالة تعبر عن إحساس العديد من المسئولين في أجهزتها أنهم وحدهم في ساحة المواجهة مع الخطأ والتجاوز، وإن الدولة بكل مفاصلها غير قادرة على دعمهم وحمايتهم عند التوجه لتقويم الخطأ الموجود، والأهم من ذلك كله تصدع العلاقة الوطنية بين الفرد"المواطن" والرموز الوطنية " الموظفين المعنيين" وشيوع عدم تحمل المسئولية الوطنية في ظروف هي الأحوج لتحملها من أجل إزالة الخطأ والشروع بعملية البناء. ومن هذا يمكن الاستنتاج أن الخطوة الأولى باتجاه فرض الأمن في عراق اليوم تتمثل بحل مشاكل العيش وإعطاء الأمل في حياة أفضل ينتهي فيها السلاح مفهوما لحل المشاكل قبل أن يتعزز في عقول الناس ويصبح بديلا لنذور أيام زمان في التأمل الغيبي لحلها.

د. سعد العبيدي                  13/10/2004