كان صدام مصابا بضغط الزمن أو ما يسمى بحواز الزمن، وبسببه بات مستعجلا كل الأمور بطريقة غير طبيعية، حملت البلاد وفي كثير من الأحيان، أعباء مادية مضاعفة، ويريد تحقيق أحلامه بطريقة غير منطقية، أخلت في معظم الأحيان بالتصاميم والخطط الأساسية، فأمر بسببها على سبيل المثال، بإعادة بناء الفاو، وإنجاز مشروع بنائها بخمس وعشرين يوما، دون أكتراث لشروط ومستلزمات البناء، وكذلك الحال في القصور التي شيدها على مزاجه، والبساتين والحدائق خاصته التي لن يصبر على نموها زمنيا، حتى أستورد لإتمام إنشائها  بأيام معدودات، مكائن لنقل النخيل الجاهز للإثمار، وهكذا تصرف بشؤون السياسة والبلاد، ليُعبر بتصرفاته هذه، وأخرى كثيرة غيرها، عن وجود حواز الزمن خاصية في شخصيته العامة، لكن أحداث العراق وتطورات الحال في شؤونه السياسية والادارية، تؤشر وبما لايقبل الشك أن حواز الزمن أي ضغطه حالة نفسية "خاصية" لا يتوقف وجودها عند شخصية صدام وحدها، ولا عند البعثيين فحسب، فهي موجودة في الشخصية العراقية، تظهر عند البعض غير القليل يوم استلامهم المسؤولية السياسية أو الإدارية، وهذه حقيقة تدعمها كثير من الشواهد والأحداث والتصرفات لعديد من السياسيين للسنوات السبع التي أعقبت التغيير،  إذ يلاحظ وفي مجال الإدارة، أن بعض المعنيين، كانوا يضغطون لإتمام مشاريع لمؤسساتهم، قبل أوان إتمامها زمنيا، مستعجلين الحصول على النسبة التي حددوها لهم خارج الضوابط القانونية، والضغط بهذه الطريقة مؤشر لوجود قدر من الحواز، ويلاحظ أن أساتذة وتربويين، تدافعوا لتغيير المناهج في المدارس بطريقة يعتقدون أنها تخدم طائفتهم أو قوميتهم قبل أن ينضج مجتمعهم لقبول الانتماء الطائفي والقومي بعيدا عن الإزاحة والتسقيط، والتدافع هنا معيار من معايير الحواز. هذا وتجاوزا على حالات الإدارة ومشاكلها المعقدة، والتربية وأصولها العلمية الراقية، هناك أمثلة أقرب إلى الذاكرة العراقية الجمعية، تدعم حقيقة الوجود المتأصل لخاصية الحواز في العقلية السياسية العراقية، وأكثر هذه الأمثلة قربا من الناحية الزمنية، تلك التي تتعلق بما جرى ويجري في الانتخابات النيابية التي تمت يوم 7 آذار الجاري في العراق، حيث تسابق العديد من المرشحين باتجاه تحديد حصتهم منها قبل حدوثها بأيام، ورفع بعضهم أرقامه المتوقعة أضعافا مضاعفة، خلط فيها بين أحلامه والأوهام، والخلط هنا مؤشر لوجود الحواز، وأتجه بعضهم الآخر إلى التأكيد بإكتساحه الساحة يوم الانتخاب، وقبل وصول الأرقام التي دونها مندوبه في المراكز الانتخابية، والتأكيد هنا دون أسس إحصائية، ليس بعيد عن وجود الحواز، وسارع البعض إلى التصريح عن النصر الناجز حتى ألقى خطابا، وحدد موقعا لرئاسة الوزارة، والتسارع هنا دليل أكيد على قدر من الحواز، والبعض الآخر لم يتوقف عند التصريح وإلقاء الخطب، والتنافس المعلن على الرئاسة، بل هرول بعيدا قبل إعلان النتائج، صوب أصدقاء الماضي لأستنهاض صداقتهم، وحلفاء الأمس، لإعادة التحالف معهم، في محاولات للكسب، وتفويت الفرصة على الغير للحصول على الكسب، ومحاولات الكسب السريع بهذه الطريقة هو الأساس في وجود الحواز وتعزيزه خاصية في السلوك السياسي.

إن قدرا بسيطا من حواز الزمن لدى السياسيين والإداريين، لا يعد سيئا أو خطرا، في ظروف العيش والعمل الطبيعية، لأن قليل منه، كما هو معروف، قد يدفع الإنسان الطبيعي إلى التعامل مع المستقبل بطريقة التحسب، والتجنب، والاستعداد اللازمة للإنجاز في الوقت المحدد، لكنه خاصية يكون وجودها، خطيرا في التأثير على الحاضر والمستقبل عندما تتخطى حدود المعقول، لأن في السياسة كما في شؤون الحياة الأخرى، يتطلب موضوع السلامة في حالاتها، قدرا من التأني والنضج، ويتطلب كذلك نموا متدرجا لمراحلها بعيدا عن حرق المراحل والاستعجال. وخطورتها في العراق تتمثل أولا بإنتكاسة بعض السياسيين المتدافعين، ثمنا سيدفعونه، لأستعجالهم، وتتمثل ثانيا بمزيد من الإعاقة في النمو والتطوير، ثمنا سيدفعه العراقيون، إذا لم يسهموا من جانبهم في الحد من ظاهرة الاستعجال، كإستجابة سلوكية لحواز الزمن بين السياسيين.              

14/3/ 2010