غضبَ صدام مرة في حديث له مع باحث أجنبي سأل عرضا عن أزدواجية الشخصية العراقية، وغيرها خصائص مستشهدا بآراء عالم الإجتماع العراقي المعروف علي الوردي، وغضبُ صدام كما هو معروف يتلقفه القريبيون فيحولونه أوامر وتوجيهات كانت في حينها منع تداول كتبه، والتضييق عليه، وعدم الإشارة إلى مؤلفاته مصدرا، وإلى شخصه عالما، فحُرمت المكتبة والقارئ العراقي من أفكار وآراء الأعلم ذلك الزمان، وحُرمَ العراق فرصة إصلاح العديد من السلوك غير السوي بتدخله وباقي العلماء، وحُرمَتْ البشرية من كفاءة لو آن لها أن تولد في غير العراق لأعطت واشتهرت، وخُلدتْ بما يفوق جل علماء جيلها المعاصرون.  

لقد رحل الوردي وغادر صدام هذا الزمان وبقيت الأزدواجية في الرأي والتفكير والسلوك مشكلة مثيرة للجدال يؤيد وجودها البعض وينكره المسؤولون في الحكم على وجه الخصوص، ومع ذلك فهي مشكلة موجودة لا تتوقف أبعادها في حدود صدام الذي عانى وجودها والتناقض الوجداني، ولا عند البعث الذي تناقضت أفعاله وأفكاره، وسلوك منتسبيه مستوى الإزدواجية.

إنها مشكلة شعب أزليه، حكمته أقوام من الخارج فتطلب نجاح حكمها تقريب البعض وإبعاد البعض الآخر بطريقة كونت التناقض والإزدواجية، وسيطرت على أفعاله العشيرة بأسلوب الإستعباد الذي يدفع إلى التودد والتملق وكذلك إلى الكره والحقد الإنفعالي أساس الإزدواجية، وأستلمته الدكتاتوريات التي أنشأها بجهده الخاص متتابعة، حتى عبدها، وصفق لها، وحقد عليها كارها كل رموزها، داعما لها في أستعباده وقهره، متآمرا عليها في حقيقته بحدود عززت كل معالم التناقض والإزدواجيه التي أنتقلت من أجيال إلى أخرى بوجود حاكم أحتاجها وسيلة أدامة لحكمه الظالم، وشيخ لم يجد سواها أسلوبا لتعويض جهله الماثل، وأب لم يعرف غيرها أساسا للتعامل، وتاجر أرادها مشروع لربحه في التداول، وكذلك الصناعي في إدارته للمعامل، والمعلم والأستاذ، والضبابط، والطبيب في حصولهم على المناصب والترقية والمكارم، وغيرهم كثير سرعان ما يركبون الموج ويهتفون في المحافل.

إنها مشكلة نفسية نابتة جذورها في عقولنا، نرفضها في وعينا، ونذمها في نقاشاتنا، ونمارسها سلوكا جميعنا، تلقفتها الأحزاب والحركات والشخصيات السياسية الحالية بنفس الطريقة التي تلقفها من قبلهم حزب البعث العربي الأشتراكي قبل حوالي أربعة عقود يوم فتح تنظيمه لعتات الأزدواجية أن يدخلوا صفوفه بوصفة من قادته لتوسيع جماهيريته، فاسهمت بعد ذلك نفس الجماهير بأخطاء أزدواجيتها في عدم الدفاع عن تاريخه وتجربته، وتلقف منها السياسيون الجدد بعض معالمها السلوكية أو تلقفوا من رمزها صدام نفس أسلوبه في التعامل والإنتشاء، حتى إن البعض هرول أو بات يهرول أخيرا بنفس طريقته عندما غير زيه المدني بزي عربي ليزور جماعة هنا وأخرى هناك، منتشيا بالتصفيق والهتاف وترديد العبارات المدحية، دون أن يخطر بباله أن تبديل زيه لغرض الإقناع بالأصول العربية أمر لا يبتعد عن حدود الإزدواجية، وإن قبول المدح والثناء والأنتشاء به معاناة من إضطراب الإزدواجية.

إنها مشكلة من السعة في العقل العراقي جعلت السياسي، والإداري، والمسؤول في الدولة والحركة والحزب غير واعين بتبعاتها على مستقبلهم، وشعبهم وغير مدركين لما يدور حولهم من نقد ومقت أساسه الإزدواجية، والمشكلة الأدهى أنهم وبسببها لم يتعضوا من الوقوع في فخها رغم مثلهم فيها صدام لم يكن بعيدا عن حدودهم الزمنية والجغرافية .... فخ منصوب لسياسي المرحلة الحالية يصعب النجاة من الوقوع في حفرته بسبب سعة الإزدواجية.

د. سعد العبيدي                                    28/2/2008