بدأت متفرقة في ريف العراق، وبعض مدنه، وسهوله الممتدة توجهات للقتل بقصد الانتقام من شخص كتب تقريرا بدون وجه حق أو وشى بقريب دون مبرر أو شهد زورا في أحد المحاكم التي لا تميزُ قراراتها إبان الحكم السابق، وبقي الآخرون من علية القوم والأجهزة المختصة، والعارفون ببواطن الأمور، والسياسيون المخولون يتفرجون أو يصلون شكرا للخالق عز وجل على قتل لم يكن في محيطهم أو قريبا منهم عندها اتسعت دائرة القتل لتطال بعض منهم، والباب مفتوح للبعض الآخر. وامتدت يد الجريمة لتمر باللطيفية وطريق الموت الذي يربط بغداد بالمحافظات الجنوبية شهورا متعددة يُنحر فيها الفقراء، وعابري السبيل، وزوار العتبات المقدسة، ومسئولي الحكومة، وعسكرها، وقوات متعددة الجنسية في حيرة من أمرهم يَستنفرونَ قواتهم إثر كل حادثة بعد أن تمر الساعات وربما الأيام، والبعض من أهل بغداد والقريبين من ساحة الموت يتفرجون دون أن يحرك أحدهم ساكنا طالما السكين لم يطال رقابهم فكثرت سكاكين الذبح الأعمى بوحشية همجية شملت مناطق في بغداد مثل العامرية، والسيدية، والدورة، والغزالية، والشعلة، والأعظمية، ومناطق في ديالى وغيرها في أبشع صور التعذيب البربري، والانتقام الوحشي.

وأستمر المسلسل الذي دخل البعض من السياسيين، ورجال الدين، والتجار، ومافيات التهريب طرفا فيه واتسعت رقعته في بغداد وباقي المحافظات العراقية وأفاق الناس من غفوتهم على صراخ المستغيثين فوجدوا القتلة قد تجاوزوا حدود الخشية من الخالق، والخوف من السلطة، ووجدوا أن البعض من منتسبي الأجهزة الأمنية المعنية بالحماية قد دخلوا الدائرة الواسعة للعنف والقتل طرفا فيه، وسمعوا قصصا عن الطب العدلي وأساليب القتل في دهاليزيه لمن يفتش مفجوعا عن أخ له أختطف غيلة أو أبن قُتلَ غدرا، ومع ذلك سكت البعض ممن لم يضطر إلى مراجعة الطب العدلي وثلاجاته الكئيبة، وسعى البعض إلى إرسال امرأة للمراجعة، وتحول البعض الآخر إلى ترديد الدعوات في أن يجنبهم الخالق أية مراجعة، عندها تضاعفت أعداد المغدورين من جميع الأطراف وزادت شدة العداء بين الفرقاء، وتفنن الأمراء، وفرق الموت بطرق النحر، وأساليب التنكيل،  والإهانة العمدية لإنسانية الإنسان، وتشجع الجناة في أعمال باتت منظمة لإفشال تجربة الدولة في ديمقراطية لم يعد أحد يذكر الحاجة إلى تطبيقها في مجتمع يترنح تحت ضربات الإرهاب ، وكذلك لتعزيز مشاعر الحقد والتناحر الطائفي لتكون أساسا أو قاعدة لمخططات تفضي إلى تقسيم العراق.

قصص تعبر عن مأساة حقيقية، وروايات تفوق القدرة على الاستيعاب أكثرها إيلاما للمشاعر البشرية وإثارة للأحاسيس الإنسانية تلك القصة التي كان أبطالها حجاج من أهل ديالى وجلولاء قد عادوا بعد تأدية الفريضة يوم 27 من الشهر الماضي وما جرى لهم من ملاحقة على أيدي أشخاص يقتلون على الاسم المثبت في الهوية، وينتشون بالدم النازف من جرح مسلم عاد من الحج لا ذنب له بالانتماء إلى طائفة معنية، وهذه قصص وغيرها أخرى مأساتها السكوت، وعدم المتابعة أو تسجيلها ضد مجهول باتت أصابعه تحرك من يكلف بالتحقيق أو التسجيل فأنتجت بطبيعتها جرائم أخرى أكثر سعة وتأثيرا مثل اختطاف منتسبي دائرة البعثات ومراجعيها، وركاب سيارت النقل في شوارع بغداد بأسلوب سوف لن تتوقف تأثيراته الكارثية عند حدود جماعة أو طائفة بعينها لأن كل جريمة في مجاله تنتج أخرى عندما تتاح الفرصة كنوع من التنفيس عن العدوان والانفعال حتى أصبحت في مجملها مثل كرة ثلج تتحرج لتأخذ في طريها العديد من السنة والشيعة ضحايا غدر، ومصالح ذاتية، وعمى عقائدي، ومؤامرات خارجية سوف لن تتوقف آثارها إذا لم يتنبه العراقيون إلى خطورتها، ويقفوا  سدا في طريق تدحرجها قبل فوات الأوان.

د. سعد العبيدي                                    18/11/2006